للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا في القدرةِ؟ ليس أحدٌ، بل لو اجتمعَ الخَلْقُ كُلُّهُم بقدرهم ما ساووا شيئًا من قُدْرَةِ اللهِ؛ فإن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: ٥٣] يعني: البعثُ صَيْحَةٌ واحدةٌ يصرفُهُ اللهُ بهم - {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: ٥٣].

كُلُّهُم في أقطارِ الدنيا، ولو في الغاباتِ والكهوفِ وأعماقِ البحارِ، كُلُّهُم يأتون في آنٍ واحدٍ، {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} هذه القدرةُ لا يُمْكِنُ أبدًا أن يشابِهَها أو يماثِلَها قدرةٌ؛ لذلك نقولُ: إن اللهَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} واعلمْ أن هذه الآيةَ استدَلَّ بها المُعَطِّلَةُ والمُمَثِّلَةُ وأهلُ السُّنَّةِ، كلُّ الثلاثةِ.

المُمَثِّلَةُ قالوا: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إثباتٌ يدُلُّ على المماثلةِ؛ لأنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - هذه شُبْهَتُهُم - خاطَبَنَا بالقرآنِ، والقرآنُ جَعَلَهُ اللهُ بلسانٍ عربيٍّ؛ من أجْلِ أن نَعْقِلَ ونَفْهَمَ، قال اللهُ تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: ٣]، قالوا: فإذا خَاطَبَنَا اللهُ بشيءٍ مما وَصَفَ به نفسَهُ وَجَبَ أن نَحْمِلَه على ما نَفْهَمُ، ونحن لا نَفْهَمُ إلا ما نُحِسُّ به، فيجبُ أن تَحْمِلَ كُلَّ صِفَةٍ للهِ على ما كان معلومًا؛ ولذلك قالوا: إن اللهَ تعالى مِثْلَ خَلْقِهِ، نسألُ اللهَ العافيَةَ.

واللهِ لو كان مِثْلَنَا ما عَبَدْنَاه ولا يُمْكِنُ أن يَعْبُدُ الإنسانُ مِثْلَه، لكن هُمْ بعقولهِم الضالَّةِ قالوا: يَلْزَمُ مما أَخْبَرَ اللهُ به عن نفْسِه من الصفاتِ أن تكونَ مِثْلَ صفاتِنا، وشُبْهَتُهُم أنَّ اللهَ خاطَبَنا بما نَفْهَمُ وَنَعْقِلُ، ونحن لا نَفْهَمُ إلا ما نُشاهدُ فإذا خاطَبَنا عن شيءٍ غائبٍ وَجَبَ أن نَحْمِلَه على المعلومِ عندنا.

والمُعَطِّلَةُ استدلُّوا بقولِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقالوا: كلُّ صفةٍ أثبتها اللهُ لنفْسِه فإنها تدُلُّ على التمثيلِ فَيَجِبُ أن تكونَ مَنْفِيَّةً، والذي فتح لهم البابَ هم

<<  <   >  >>