للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُمَثِّلَةٌ يقولون: كلُّ صفةٍ أَثْبَتَهَا اللهُ لنفْسِه فإنها تَسْتَلْزِمُ التمثيلَ والتمثيلُ ممتنِعٌ، إذن يجبُ أن تمتنعَ كلُّ صفةٍ، مثالُ ذلك يقولون: إن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لم يستوِ على العرشِ الإستواءَ الحقيقيَّ؛ لأنَّه لو استوى على العرشِ لكان جسمًا، فيكونُ مماثلًا للمخلوقِ.

والرَّدُّ عليهم سهلٌ، نقولُ: هل أَثْبَتَ اللهُ لنفْسِه يدًا أو لا؟ فسيقولون: نعم. لماذا لا تُثْبِتُهَا أنت؟ قال: أخشى أن تكونَ مُمَاثِلَةً ليدِ الإنسانِ. نقولُ: لا تخش هذا، كيف تخشى هذا واللهُ يقولُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؟ ثم نقولُ له: ألستَ تُثْبِتُ لشاتِكَ يدًا؟ يقولُ: نعم. هل يَدُ شاتِك مثلُ يَدِكَ؟ لا، إذا انتفتِ المشابهةُ بين المخلوقاتِ فيما تَتَّفِقُ فيه بالأسماءِ فانتفاءُ المُشابَهَةِ في حقِّ الخالقِ من بابِ أَوْلَى، بل انتفاءُ المُشابهةِ في حقِّ اللهِ واجبٌ، وفي حقِّ المخلوقِ غيرُ واجبٍ.

الآن القِطُّ، عندنا الآن اثنان واحدٌ يقول: البَسُّ - والبَس بالفتح وإذا قلت: البِسُّ فأنت لاحنٌ، الصواب البَسُّ -، والآخرُ قال: الهِرُّ، وثالثٌ يقول: القطُّ والسِّنَّوْرُ، فما أكثرَ أسماءَ الهِرِّ والأسدِ، وسبحانَ اللهِ أيدي الهرِّ وأيدي الأسدِ متشابهتان تمامًا.

فهُمْ تَصَوَّروا أن استواءَ اللهِ على عرشِهِ كاستواءِ الإنسانِ على الأنعامِ، فلما فهموا هذا الفهْمَ أنكروا الإستواءَ، الإنسانُ يستوي على البعير كما قال تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرفِ: ١٢ - ١٣] هم فَهِمُوا أن استواءَ اللهِ على العرشِ كاستواءِ الإنسانِ على البعيرِ، وقالوا: هذا تمثيلٌ، والتمثيلُ مستحيلٌ على اللهِ فيجبُ إنكارُهُ، وهذا قولُ المعتزلةِ والجهميَّةِ، ومَن ظَاهَرَهُم، نَفَوْا كلَّ صفةٍ للهِ وقالوا: لا يمكن أن نَصِفَ اللهَ بشيءٍ. الحُجَّةُ أن الإثباتَ يستلزمُ التمثيلَ، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ قد نفى أن يكونَ له مِثْلٌ، وأيضًا المماثلةُ مستحيلةٌ عقلًا، فيكونُ دلَّ العقلُ على زَعْمِهم، دلَّ العقلُ والشرعُ على أن اللهَ

<<  <   >  >>