للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس له مثيلٌ، فيجبُ أن ننفيَ جميعَ الصفاتِ.

هؤلاء حقيقةُ أَمْرِهِم أنهم مَثَّلوا أولًا، ثم عَطَّلوا ثانيًا، مَثَّلوا أولًا حيث اعتقدوا أن الأدلةَ تَدُلُّ على التمثيلِ، وهذا اعتقادٌ فاسدٌ، ثم بعد ذلك عَطَّلوا وأَنْكَرُوا، ولكنَّ هذه الشُّبهةَ دَفْعُها يسيرٌ، نقولُ لهم: هل تُثْبِتُون للهِ وُجُودًا؟ إما أن يقولوا: لا، وإما أن يقولوا: نعم. لا يُمْكِنُ أن يَخْرُصُوا، إما أن يقولوا: نعم، أو يقولوا: لا، فإذا أثبتوا للهِ وُجُودًا نقولُ: هل هو وجودٌ حقيقيٌّ أو وهميٌّ؟ إن قالوا: وهميٌّ، كَفَرُوا بلا إشكالٍ، وإن قالوا: حقيقيٌّ، قلنا: هل تُثْبِتُون لأنفُسِكم وُجُودًا؟ إما أن يقولوا: نعم أو يقولوا: لا إن قالوا: لا، قلنا: ما نخاطبُ أشباحًا بلا شيءٍ، لكن لن يقولوا: لا، يقولون: نعم نثبتُ لأنفُسِنا وجودًا، نقولُ: إذن يَلْزَمُكُم التمثيلُ؛ لأنكم أَثْبَتُّمْ للهِ تعالى صفةً هي ثابتةٌ للمخلوقِ، فيلزَمُكُم التمثيلُ، انظر الباطلَ لا بُدَّ أن يندحرَ، لكنِ انْفَكَّ قومٌ عن هذا الإلزامِ من الغلاةِ قالوا: لا نقولُ: إن اللهَ موجودٌ. أعوذُ باللهِ تعبدون مَن؟ قالوا ما نقولُ: إنه موجودٌ. قلنا: معدومٌ؟ إذا قلتُم: غيرُ موجودٍ لزمَ أن تقولوا: إنه معدومٌ، وإنْ قلتُم: إنه معدومٌ مَثَّلْتُم؛ لأنَّ الموجودَ من الخَلْقِ يكونُ معدومًا قبلَ وجودِهِ وبعد وجودِهِ، قال اللهُ تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسانِ: ١].

وهذا حقيقةٌ، الواحدُ منا قبل ولادتِه بسنتين ليس بشيءٍ، معدومٌ، فإن قلتُم: إن اللهَ معدومٌ شَبَّهْتُم ومَثَّلْتُم على قاعدَتِكُم، قالوا: إذن نقولُ: لا موجودٌ، ولا معدومٌ. أعوذُ باللهِ لا موجودٌ ولا معدومٌ، نقولُ: اللهُ أكبرُ، هل يُمْكِنُ أن يكونَ الشيءُ لا موجودًا ولا معدومًا؟ كلُّ شيءٍ فهو إما موجودٌ أو معدومٌ؛ لأنَّ تقابُلَ الوجودِ والعدمِ تقابُلُ تناقُضٍ، والمتناقضان لا بدَّ من وجودِ أحدِهِما، لا يُمْكِنُ أن يجتمعَا،

<<  <   >  >>