عدنا إلى شرح حديث الحارث الذي فيه ذِكْرُ ما يُحْرِزُ العبدَ من عدوّه:
قوله ﷺ:"وأمركم بالصيام، فإن مَثَلَ ذلك مَثَلَ رجل في عصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مِسك، فكلُّهم يعجب أو يعجبه ريحه، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
إنما مثَّل ﷺ ذلك بصاحب الصُّرة التي فيها المسك؛ لأنها مستورة عن العيون، مخبوءة تحت ثيابه، كعادة حامل المسك، وهكذا الصائم صومُه مستورٌ عن مشاهدةِ الخلق، لا تدركه حواسُّهم.
والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث؛ فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعًا صالحًا، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها مَنْ جَالَس حامل المسك، كذلك مَنْ جَالَس الصائم انتفع بمجالسته له، وأَمِن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.
هذا هو الصوم المشروع، لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب.
ففي الحديث الصحيح (١): "من لم يَدَعْ قول الزُّور والعمل به