للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الحسرة كلَّ الحسرة الاشتغالُ بمن لا يُجْدِي عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك وحظك من الله ﷿، وانقطاعك عنه، وضياع وقتك عليك، وَشَتَاتِ قلبك عليك، وضعف عزيمتك، وتفرُّقِ همِّك (١).

فإذا بُلِيت بهذا -ولابُدَّ لك منه- فعامِل الله تعالى فيه، واحتسب عليه ما أمكنك، وتقرَّب إلى الله بمرضاته فيه، واجعل اجتماعك به مَتْجَرًا لك، لا تجعله خسارة، وكن معه كرجلٍ سائرٍ في طريقه عَرَضَ له رجلٌ وَقَفهُ عن سيره، فاجْتَهِدْ أن تأخذه معك وتسير به، فَتَحْمِله ولا يحملك (٢)؛ فإن أبى ولم تَلْقَ في سيره مطمعًا، فلا تقف معه، بل اركب الدَّرْبَ ودَعْهُ ولا تلتفت إليه؛ فإنه قاطعُ طريقٍ، ولو كان من كان، فانْجُ بقلبك، وضِنَّ بيومك وليلتك، لا تغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فَتُؤْخَذ، أو يطلع عليك الفجر وأنت في المنزلة فَيَسِيرَ الرِّفاقُ فتصبح وحدك، وأنَّى لك بِلَحاقهم!.

الخامسة والثلاثون: أن الذكر يُسَيِّر العبدَ وهو قاعد على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه ولذته، ومعاشه، وقيامه وقعوده واضطجاعه، وسفره وإقامته، فليس في الأعمال شيءٌ يَعُمُّ الأوقات والأحوال مثله، حتى إنه يُسَيِّر العبدَ وهو نائمٌ على فراشه، فيسبق القائم مع الغفلة، فيصبح هذا وقد قطع الرَّكْبَ وهو مُسْتَلْقٍ على


(١) (ت) و (م): "همّتك".
(٢) (ت) و (م) و (ق): "ويحملك"، والمثبت من (ح)، ولعلّه الصّواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>