للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة" (١).

قلت: ويشهد لقوله: الحديثُ المتفق عليه "والذي نفسي بيده ما من مكلوم يُكْلَمُ في سبيل الله -والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله- إلا جاء يوم القيامة وَكَلْمُه يَدْمَى، اللون لون دم، والريح ريح مسك" (٢).

فأخبر عن رائحة كَلْمِ المكلوم في سبيل الله ﷿ بأنها كريح المسك يوم القيامة، وهو نظير إخباره عن خُلوف فم الصائم؛ فإن الحِسّ يدل على أن هذا دم في الدنيا، وهذا خُلوف (٣)، ولكنْ يجعل الله تعالى رائحة هذا وهذا مِسْكًا يوم القيامة.

واحتج الشيخ أبو عمرو بما ذكره أبو حاتم في "صحيحه" من تقييدِهِ ذلك بوقت إخلافه، وذلك يدل على أنه في الدنيا، فلما قَيَّد المبتدأ وهو"خُلوف فم الصائم" بالظرفِ وهو قوله: "حين يخلف" = كان الخبر عنه -وهو قوله: "أطيب عند الله"- خبرًا عنه في حال تقييده؛ فإنّ (٤) المبتدأ إذا تقيد بوصفٍ أو حالٍ أو ظرفٍ كان الخبر عنه حال كونه مقيدًا، فدل على أن طِيبه عند الله تعالى ثابتٌ حال إخلافه.

قال: وروى الحسن بن سفيان في "مسنده" عن جابر أن النبي قال: "أُعْطِيَتْ أمتي في شهر رمضان خمسًا. . ." فذكر الحديث، وقال فيه: "وأما الثانية: فإنهم يُمْسُون وريح أفواههم أطيب عند الله من ريح


(١) وقد تقدم قريبًا.
(٢) صحيح البخاري (٢٣٧، ٢٨٠٣)، ومسلم (١٨٧٦) عن أبي هريرة .
(٣) (ح): "خلوف له".
(٤) (ت) و (ق): "لأنّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>