للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشقة، فالجمع ليس سُنّةً راتبةً كما يعتقده أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع، سواء وُجِدَ عذرٌ أوْ لم يوجد، بل الجمع رخصة عارضة، والقصر سُنة راتبة، فسنة المسافر قصر الرباعية، سواء وُجد له عذرٌ أو لم يُوجَد (١)؛ وأما جمعه بين الصلاتين، فحاجة ورخصة (٢)، فهذا لونٌ، وهذا لونٌ.

ومن هذا: أن الشِّبَع في الأكل رخصة غير مُحَرَّمة (٣)؛ فلا ينبغي أن يَجْفُوَ العبد فيها حتى يصل به الشِّبَع إلى حد التُّخمة والامتلاء، فيتطلَّبَ ما يُصَرِّفُ به الطعام، فيكون هَمُّه بطنه قبل الأكل وبعده!، بل ينبغي للعبد أن يجوع ويشبع، ويدع الطعام وهو يشتهيه، وميزان ذلك قول النبي : "ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِه" (٤). فلا يجعل الثلاثة الأثلاث كلها للطعام وحده.

وأما تعريض (٥) الأمر والنهي للتشديد الغالي، فهو كمن يتوسوس في الوضوء متغاليًا فيه حتى يفوت الوقت، أو يردِّد تكبيرة الإحرام إلى أن تفوته مع الإمام قراءة الفاتحة، أو تكاد تفوته الركعة، أو يتشدد في الورع


(١) (ح) و (ق): "كان له عذر أو لم يكن".
(٢) انظر: "زاد المعاد" (١/ ٤٨١)، و"مجموع الفتاوى" (٢٤/ ٢٧ - ٢٨، ٦٣ - ٦٤).
(٣) انظر: "صحيح مسلم" (٢٠٣٩)، و"المفهم" (٥/ ٣٠٧) للقرطبي.
(٤) أخرجه أحمد (٥/ ٨٥٤)، والترمذي (٢٣٨٠)، والنسائي في "الكبرى" (٦٧٣٧)، وابن ماجه (٣٣٤٩) من حديث المقدام بن معدي كرب .
وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح"، وصححه ابن حبّان (٦٧٤).
(٥) (ت) و (م): "معارضة".

<<  <  ج: ص:  >  >>