للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغالي حتى لا يأكل شيئًا من طعام عامّة (١) المسلمين؛ خشية دخول الشبهات عليه.

ولقد دخل هذا الورع الفاسد على بعض العبَّاد الذين نقص حظهم من العلم (٢)، حتى امتنع أن يأكل شيئًا من بلاد المسلمين، وكان يتقوَّت بما يُحْمَلُ إليه من بلاد النصارى، ويَبْعَثُ بالقَصْدِ لتحصيل ذلك، فأوقعه الجهل المفرط، والغلوُّ الزائد في إساءة الظن بالمسلمين، وحُسْنِ الظن بالنصارى، نعوذ بالله من الخذلان.

فحقيقة التعظيم للأمر والنهي أن لا يُعارَضا بتَرَخُّصٍ جافٍ، ولا يُعَرَّضا لتشديدٍ غالٍ، فإن المقصود هو الصراط المستقيم المُوصِل إلى الله ﷿ بِسَالِكِه (٣).

وما أمر الله ﷿ بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصيرٌ وتفريطٌ، وإما إفراطٌ وغُلوٌّ، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فَيُشامُّه (٤)، فإن وجد فيه تقصيرًا وفتورًا وتوانيًا وترخيصًا أخذه من هذه الخطة، فثبَّطه وأقعده، وضربه بالكسل والتواني والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، حتى ربما ترك العبدُ المأمورَ جملة.


(١) (ت) و (م): "من طعام المسلمين".
(٢) (ت): "العمل".
(٣) "بسالكه" من (ح) و (ق).
(٤) (ت) و (م): "فيشمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>