وكثير من العلماء يقول: لا صلاة له وهو بارد القلب، فارغٌ من هذه المصيبة، غير مُرْتَاعٍ لها؛ فهذا من عدم تعظيم أمر الله تعالى في قلبه.
وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى، أو فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه، ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه، ولكانت قرعة.
وكذلك فَوْتُ الجَمْعِ الكثير الذي تُضاعَفُ الصلاة بكثرته وقلته، وكلما كثر الجَمْعُ كان أحب إلى الله ﷿، وكلما بَعُدَت الخُطا كانت خطوةٌ تحطُّ خطيئة، وأخرى ترفع درجة.
وكذلك فَوْتُ الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها بين يدي الرب ﷿ الذي هو روحُها ولُبُّها، فصلاةٌ بلا خشوعٍ ولا حُضورٍ كبدن ميت لا روح فيه. أفلا يستحي العبد أن يُهدي إلى مخلوقٍ مثله عبدًا ميتًا، أو جارية ميتة؟! فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قَصَده بها، من ملك، أو أمير، أو غيره؟!
فهكذا سواء، الصلاةُ الخاليةُ عن الخشوع والحضورِ وجمعِ الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد -أو الأمَة- الميت، الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك؛ ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه -وإن أسقطت الفرض في أحكام الدنيا (١) - ولا يثيبه عليها؛ فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، كما في "السنن" و"مسند الإمام أحمد" وغيره عن النبي
(١) وفي إسقاطها الفرض في أحكام الدُّنيا خلافٌ حرّره المصنّف وبسطه في "مدارج السالكين" (١/ ٥٦٣ - ٥٦٧)، واختار إسقاطها الفرض، كما أشار إليه هنا.