للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن مراده من كلامه كيت وكيت، فإن لم يكن ذلك معلومًا بوضع اللفظ لذلك المعنى، أو عُرْفِ الشارع -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أوْ عادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى، أو تفسيره له به = وإلا كانت شهادة (١) باطلة، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم.

ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك، فمَثَّل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طيب هذا الخُلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا، وأعظم.

ونسبةُ استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه؛ فإنها استطابةٌ لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته (٢) لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم، وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلمَ الطيب فيصعد إليه، والعملَ الصالح فيرفعه، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا (٣).

ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال؛ إذْ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرِّضى؛ فإن قالوا: رضاهُ ليس كرضى المخلوقين،


(١) (ت) و (م): "شهادته"
(٢) (ت) و (ق): "فصفاته".
(٣) لم أر من تعرّض لتحقيق القول في هذه الصفة غير ابن القيّم رحمه الله تعالى في هذا الموضع.