لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانًا واعية، وَشَفَتْ مواعظُ القرآن لو وافقت قلوبًا من غَيِّها خالية، ولكن عَصَفَتْ على القلوب أهوية الشبهات والشهوات فأطفأت مصابيحها، وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبُها فلم ينفع فيها الكلام، وسَكِرَتْ بشهوات الغيِّ وشبهات الباطل فلم تُصْغِ بعده إلى الملام، وَوُعِظَتْ بمواعظ أنكى فيها من الأسِنَّة والسِّهام، ولكنْ ماتت في بحر الجهل والغفلة، وأَسْرِ الهوى والشهوة، و"ما لِجُرْحٍ بميِّتٍ إيلام"(١).
(١) عجز بيتٍ للمتنبي، في "ديوانه" (١/ ٣٢٧ - العَرْف الطيّب)، وصدرُه: من يهن يسهل الهوان عليه.