للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل في نقض العهد

قال المصنف رحمه الله: (وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية، أو التزام أحكام الملة انتقض عهده).

أما كون الذمي ينتقض عهده إذا امتنع من بذل الجزية فلأن الله تعالى قال: {حتى يعطوا الجزية} [التوبة: ٢٩] أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية.

وأما كونه ينتقض عهده إذا امتنع من التزام ملة الإسلام فلأن الإسلام نسخ كل حكم يخالفه فلا يجوز بقاء العهد مع عدم التزامه.

وقتال المسلمين ينتقض به العهد كالأمرين المذكورين؛ لأن عقد الذمة يقتضي الأمان من الجانبين والقتال ينافيه فانتقض.

قال: (وإن تعدى على مسلم بقتل أو قذف أو زنا أو قطعِ طريق أو تجسسٍ أو إيواء جاسوس أو ذكر الله تعالى أو كتابه أو رسوله بسوء فعلى روايتين).

أما كون الذي ينتقض عهده بما ذكر على المذهب فلما روي عن عمر رضي الله عنه «أنه رُفع إليه رجل أراد استكراه مسلمة على الزنا. فقال: ما على هذا صالحناكم. وأمر به فصلب في بيت المقدس» (١).


(١) عن سويد بن غفلة قال: «كنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي فغضب غضباً شديداً فقال لصهيب: انظر من صاحب هذا؟ فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين فإني أخاف عليك بادرته فجاء معه معاذ فلما انصرف عمر من الصلاة

قال أين صهيب؟ فقال: أنا هذا يا أمير المؤمنين قال: أجئت بالرجل الذي ضربه؟ قال: نعم. فقام إليه معاذ بن جبل فقال: يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه. فقال له عمر: ما لك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار ثم تغشاها ففعلت ما ترى قال: ائتني بالمرأة لتصدقك فأتى عوف المرأة فذكر الذي قال له عمر رضي الله عنه قال أبوها وزوجها: ما أردت بصاحبتنا فضحتها فقالت المرأة: والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب ثم قال: يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له».
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٩: ٢٠١ كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلما بزنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>