وأما كون تصرف الموسر بالعتق ينفذ؛ فلأنه إعتاق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ كعتق المستأجر.
ولأن الرهن عين محبوسة لاستيفاء الحق فنفذ فيها عتق المالك كالمبيع في يد البائع.
ولأن العتق مبني على السراية والتغليب وينفذ في ملك الغير؛ فلأن ينفذ في ملكه بطريق الأولى.
فعلى هذا يجب عليه قيمته لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة فوجبت عليه قيمته كما لو أتلفه ويؤخذ منه فيجعل رهناً لأنها نائبة عن العين أو بدل عنها.
وأما كون تصرف المعسر بالعتق ينفذ على المذهب فلما ذكر في الموسر.
فعلى هذا تبقى القيمة (١) في ذمته كما إذا أتلف شيئاً من مال غيره.
فإن قيل: فأيّ فائدة في بقاء القيمة في ذمته والدين ثابت فيها؟
قيل: فائدته أنه إذا أيسر قبل حلول الدين ملك المرتهن مطالبته بالقيمة ليكون رهناً.
وتعتبر القيمة حال الإعتاق لأنها حال الإتلاف.
وأما كونه لا ينفذ عتق المعسر على روايةٍ؛ فلأن نفوذ عتقه يسقط الوثيقةَ وبدلَها فلم ينفذ لما فيه من الإضرار بالمرتهن، وكما لو أعتق شِرْكاً له في عبد وهو معسر. وذكر أبو الخطاب هذه الرواية في الهداية احتمالاً. وذكرها المصنف رحمه الله في المغني عن أبي الخطاب تخريجاً.
وأما تصرفه في التزويج فقال القاضي وجماعة من أصحابنا: إذا زوج الأمة المرهونة صح؛ لأن محل عقد النكاح غير محل عقد الرهن بدليل صحة رهن الأمة المزوجة.
ولأن الرهن لا يزيل الملك فلم يمنع التزويج كالإجارة.
فعلى هذا يكون المهر رهناً معها لأنه من نماء الرهن فكان رهناً لما يأتي إن شاء الله تعالى. ويمنع الزوج وطئها لئلا تحبل فتنقص قيمتها وربما تلفت بسبب الحمل. واختار أبو الخطاب أن التزويج لا يصح لأنه تصرف ينقص قيمتها ويشغل بعض منافعها فلم
(١) في و: قيمته.