للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عمر أنه قال: «من وهبَ هبةً أراد بها الثواب فهو على هبتهِ يرجعُ فيها إذا لم يرضَ منها» (١).

وأما كونه له الرجوع في عوضها إن كانت تالفة؛ فلأن كل عينٍ يجب ردّها إذا كانت باقية يجب ردّ عوضها إذا كانت تالفة.

قال: (وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها، وتلزم بالقبض. وعنه: تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة).

أما كون الهبة تحصل بما ذكر المصنف رحمه الله؛ فلأن الهبة تمليكٌ. فتجب بالإيجاب والقبول والمعاطاة؛ كالبيع.

ولأن الهبة أسهل من البيع. بدليل أنه يصح أن يكون عوضها مجهولاً على روايةٍ فإذا صح البيع بالمعاطاة. فلأن تصح الهبة بها بطريق الأولى.

وأما كونها تلزم بالقبض فلا شبهة فيه؛ لأن القبض يؤكدها. وهو مشعرٌ بأنها لا تلزم بغير قبض. وهو صحيح. والأصل فيه ما روت عائشة «أن أبا بكر رضي الله عنه نَحَلَها جداد عشرين وَسْقاً من ماله بالغَابَةِ. فلما مرض قال يا بُنية! ما أحد أحبُ إليّ غنًى بعدي منكِ. ولا أحد أعزُّ عليّ فقراً منك. وكنت نَحَلْتُكِ جَداد عشرين وَسْقاً وددت أنكِ حُزْتِيه أو قبضتيه. وهو اليوم مال الوارث أخواكِ وأختاكِ. فاقتسموه على كتاب الله» (٢). ويروى ذلك عن عمر (٣)، ولم يعرف لهما مخالف فكان كالإجماع. ولو لزمت بغير القبض لما كان الأمر كذلك.

ولأنها هبةٌ غير مقبوضةٍ. فلم تلزم بغير قبض؛ كالطعام المأذون في أكله.

وأما كون غير المكيل والموزون يلزم بمجرد الهبة على روايةٍ؛ فلأن الهبة عقد لازم ينقل الملك. فلم يقف لزومه على القبض؛ كالبيع.

ولأنه تبرع. فلا يفتقر فيه إلى القبض؛ كالوقف والوصية.

والأول أصح؛ لما ذكر.

ودليل الرواية الأخرى منقوض بالمكيل والموزون. فإنه عقد لازم وتبرع مع


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦: ١٨٢ كتاب الهبات، باب المكافأة في الهبة.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (٤٠) ٢: ٥٧٦ كتاب الأقضية، باب ما لا يجوز من النحل.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ (٤١) الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>