للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل في عطية المريض

قال المصنف رحمه الله: (أما المريض غير مرض الموت، أو مرضاً غير مخوفٍ؛ كالرمد، ووجع الضرس، والصّداع، ونحوه: فعطاياه كعطايا الصحيح سواء. تصح من جميع ماله. وإن كان مرض الموت المخوف؛ كالبرْسامِ، وذات الجنب، والرّعاف الدائم، والقيام المتدارك، والفالج في ابتدائه، والسّل في انتهائه، وما قال عدلان من أهل الطب (١) أنه مخوف: فعطاياه كالوصية في أنها لا تجوز لوارثٍ ولا تجوز لأجنبيٍ بزيادةٍ على الثلث إلا بإجازة الورثة؛ مثل: الهبة والعتق والكتابة والمحاباة).

أما كون عطايا المريض غير مرض الموت أو مرضاً غير مخوف كعطايا الصحيح سواء تصح من جميع ماله؛ فلأن مقتضى الدليل صحة تصرف الإنسان في جميع ماله. تُرك العمل به في عطية المريض المرض المخوف المتصل بالموت؛ لما يأتي. فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.

وأما كون عطايا المريض مرض الموت المخوف؛ كما مثل المصنف رحمه الله؛ كوصيته في أنها لا تجوز لوارثٍ ولا لأجنبيٍ بزيادةٍ على الثلث: أما في العتق؛ فلما روى عمران بن حصين «أن رجلاً أعتقَ ستةَ أعبدٍ له عندَ موتهِ لم يكن له مالٌ غيرهم. فبلغَ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعاهمْ فجزأهمْ ثلاثةَ أجزاءٍ. فأقرعَ بينهمْ. فأعتقَ اثنينِ وأَرَقَّ أربعة. وقالَ لهُ قَولاً شَديداً» (٢). رواه مسلم.

وأما في بقية التصرفات؛ فلأن العتق إذا لم يجز إلا من الثلث مع سرايته. فغيره أولى.

ولأن العطية في المرض عطية في حال الظاهر منه الموت. فلم يجز لوارثٍ بشيء


(١) في هـ: الطيب، وهو تصحيف.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١٦٦٨) ٣: ١٢٨٨ كتاب الأيمان، باب من أعتق شركاً له في عبد.
وأخرجه أبو داود في سننه (٣٩٥٨) ٤: ٢٨ كتاب العتق، باب فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغهم الثلث.
وأخرجه الترمذي في جامعه (١٣٦٤) ٣: ٦٤٥ كتاب الأحكام، باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>