واعلم أن الدية على الرماة صحيح على الوجه الثاني والثالث: أما على الوجه الأول الذي قررته قبل فلا؛ لأن الرمي لو كان من أربعة وجعل فعل المقتول هدراً بقيت الدية على الثلاثة الباقية وكان على عاقلة كل واحد ثلث الدية فلا يلزم أن تحمل العاقلة ما دون الثلث.
قال:(وإن جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا دية له. وعنه: على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه).
أما كون جناية الإنسان على نفسه أو طرفه خطأ لا دية له بها على المذهب؛ فـ «لأن عامر بن الأكوع بارزَ مرحباً يوم خيبر فرجعَ سيفه على نفسه فمات»(١). ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية ولا غيرها، ولو وجب لبينه صلى الله عليه وسلم.
ولأنه جنى على نفسه. فلم يضمنه لغيره؛ كالعمد.
ولأن وجوب الدية على العاقلة إنما كان مواساة للجاني وتخفيفاً عنه وليس على الجاني هنا شيء يحتاج فيه إلى الإعانة والمواساة. فلا وجه للإيجاب.
وأما كون دية جنايته على عاقلته على روايةٍ؛ فلما روي «أن رجلاً ساقَ حماراً ضربه بعصاً كانت معه. فطارت منها شظية فأصابت عينه ففقأتها. فجعل عمر رضي الله عنه ديته على عاقلته. وقال: هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد». ولم يعرف له مخالف في عصره.
ولأنها جناية خطأ. فكان عقلها على العاقلة؛ كما لو قتل غيره.
فعلى هذه الرواية إن كانت الجناية قتلاً نظرت فإن كانت العاقلة غير الورثة وجبت دية النفس عليهم لورثة الجاني، وإن كانوا هم الورثة فلا شيء عليهم لأنه لا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن كانت الجناية على غير النفس وجبت الدية على العاقلة للجاني.
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (١٨٠٢) ٣: ١٤٢٩ كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر. ولفظه أن سلمة بن الأكوع قال: «لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتدّ عليه سيفه فقتله ... ».