قيل: ثَمَّ حصل في يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حقٍ. فوجب عليه رده وضمانه إن تلف وهاهنا لم يحصل في يده شيء، وإنما أتلف شيئًا بخطأ الإمام وتسليطه عليه فافترقا.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: في محل الضمان روايتان:
إحداهما: في بيت المال؛ لأن الحاكم نائب المسلمين ووكيلهم، وخطأ الوكيل في حق موكله عليه.
ولأن خطأ الحاكم يكثر؛ لكثرة تصرفاته وحكوماته. فإيجاب ضمان ما يخطئ فيه على عاقلته إجحاف بهم.
والرواية الثانية: هي على عاقلته مخفّفة مؤجلة؛ لما روي «أن امرأة ذُكرت عند عمر بسوء فأنفذَ إليها فأجهضت. فبلغَ ذلك عمر فشاورَ الصحابة. فقال بعضهم: لا شيءَ عليكَ. وقال علي: أرى عليك الدية. فقال عمر: عزمتُ عليك أن لا تبْرح حتى تقسمها على قومك»(١). يعني قريشاً؛ لأنهم عاقلة عمر، ولو كان خطؤه واجباً في بيت المال لم يوجب الدية على عاقلته.
ولأن تلف المحكوم به حصل بخطئه فكان على عاقلته كخطئه في غير الحكم.
فعلى هذه الرواية إن كان المتلفُ يبلغ ثلث الدية فصاعداً تحملته العاقلة والكفارة تجب في ماله؛ لأن العاقلة في قتل الخطأ تحمل الثلث فصاعداً دون الكفارة فكذلك هاهنا، وإن كان المتلف أقل من الثلث فذلك في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل أقل من الثلث، وعلى الرواية الأولى الكفارة والقليل والكثير من الدية في بيت المال؛ لأن جعل ذلك في بيت المال لعلة أنه نائب عنهم وخطأ النائب على من استنابه وهذا يدخل فيه القليل والكثير.
ولأنه يكثر خطؤه فجعل الضمان في ماله يجحف به وإن قل لكثرته بتكرره.
(١) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (١٨٠١٠) ٩: ٤٥٨ كتاب العقول، باب من أفزعه السلطان.