الزَّجّاج: لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير، ولو قال قائل: مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلماً بالعربية.
فإن قيل: قد ورد ذلك في القرآن بدليل قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}[الحجر: ٤٢]، وقوله تعالى:{فبعزتك لأُغوِينّهم أجمعين? إلا عبادَك منهم المخلَصين}[ص: ٨٢ - ٨٣]. استثنى سبحانه الغاوين من العباد، وثانياً العباد من الغاوين. وأيهما كان أكثر فقد استثنى الأكثر من الأقل.
ومنه قول الشاعر:
أدوا التي نقصت تسعين من مائة ... ثم ابعثوا حكماً بالحق قواما
قيل: أما الآيتان ففي أحدهما استثنى المخلَص من بني آدم وهم أقل، وفي الأخرى استثنى الغاوين من العباد وهم الأقل؛ لأن الملائكة كلهم طائعون.
وأما البيت فقال ابن فضال النحوي: هو بيت مصنوع لم يثبت عن العرب. ثم على تقدير صحته ليس فيه استثناء.
قال:(وإن قال: كان له عليّ ألف وقضيته، أو قضيت منه خمسمائة: فقال الخرقي: ليس بإقرارٍ والقولُ قوله مع يمينه. وقال أبو الخطاب: يكون مقراً مدّعياً للقضاء فلا يُقبل إلا ببينة، فإن لم تكن بينة حلف المدعي أنه لم يقض ولم يبرأ واستحق وقال: هذا رواية واحدة ذكرها ابن أبي موسى).
أما كون القول المذكور ليس بإقرار على قول الخرقي وهو رواية عن الإمام أحمد؛ فلأنه قول يمكن صحته من غير تناقض في اللفظ. فوجب أن يقبل؛ كاستثناء البعض.
وأما كون قائله مقراً مدّعياً للقضاء فلا يُقبل إلا ببينة على قول أبي الخطاب؛ فلأنها رواية عن الإمام: أما كونه مقراً؛ فلأن قوله: كان له عليّ ألف إقرار بالدين. بدليل أنه لو سكت على ذلك لكان الأمر كذلك.
وأما كونه مدّعياً للقضاء؛ فلأن قوله: وقضيته دعوى كذلك.
وأما كونه لا يُقبل قوله إلا ببينة؛ فلأن كل من ادعى شيئاً لا يُقبل إلا ببينة.