قال المصنف رحمه الله:(ومن سافر سفراً مباحاً يبلغ ستة عشر فرسخاً فله قصر الرباعية خاصة إلى ركعتين. إذا فارق بيوت قريته أو خيام قومه. وهو أفضل من الإتمام. وإن أتم جاز).
أما كون المسافر له القصر في الجملة؛ فلقوله تعالى:{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يَفتنكم الذين كفروا}[النساء: ١٠١].
فإن قيل: القصر جائز مع الأمن والخوف. والآية تدل على جوازه مع الخوف فقط؟
قيل: الجواب من وجهين:
أحدهما: أنه إنما علق القصر على الخوف لفظاً لأن غالب أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الغزو فخرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط. ومنه قوله تعالى:{وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة}[البقرة: ٢٨٣] علق الرهن على السفر وهو جائز في الحضر؛ لأن عدم وجدان الكاتب في السفر أغلب بخلاف الحضر.
وثانيهما: أن قوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}[النساء: ١٠١] كلام تام و {إن خفتم}[النساء: ١٠١] كلام مبتدأ؛ لما روى أبو أيوب قال:«نزل: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}[النساء: ١٠١] هذا القدر. ثم بعد حَوْل سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الخوف فنزل:{إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}[النساء: ١٠١]»(١).
(١) أخرجه ابن جرير الطبري بطوله في تفسيره عن أبي أيوب عن علي قال: «سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ثم انقطع الوحي. فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم: إن لهم أخرى مثلها في أثرها. فأنزل الله تبارك وتعالى بين الصلاتين: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبينا، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك -إلى قوله-: إن الله أعد للكافرين عذاباً مهينا} فنزلت صلاة الخوف» ٩: ١٢٦.