وأما كون من شك في طهارة الماء بعد نجاسته بنى على اليقين فلما ذكر قبل.
قال: (وإن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب ويتيمم. وهل يشترط إراقتهما أو خلطهما؟ على روايتين).
أما كون من اشتبه عليه الماء الطهور - وهو المراد بقول المصنف رحمه الله الطاهر - بالنجس لم يتحر فيهما فلما يأتي ذكره في صوره، وهي ثلاث صور:
إحداها: أن يكثر عدد النجس على عدد الطهور.
الثانية: أن يستويا.
الثالثة: أن يكثر عدد الطهور على النجس.
فالأولتان لا خلاف في المذهب أنه لا يتحرى فيهما.
أما كونهما لا خلاف فيهما؛ فلأن المصنف رحمه الله صرح في المغني بذلك فيجب حمل كلامه هاهنا على الصورة الثالثة ويكون من باب إطلاق اللفظ المتواطئ إذا أريد به بعض محاله وهذا مجاز سائغ.
وأما كونه لا يتحرى فيهما؛ فلأنه اشتبه عليه المباح بالمحظور في موضع لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو اشتبهت أخته بأجنبية.
وأما كونه لا يتحرى في الصورة الثالثة فلما ذكر في الصورتين.
قيل: وحكي عن أبي علي النجاد أنه يتحرى فيهما؛ لأنه إذا كثر عدد الطهور على النجس يغلب على الظن إصابة الطهور.
وإلى ذلك الوجه أشار المصنف رحمه الله بقوله: على الصحيح من المذهب.
والأول أصح لما تقدم.
وأما غلبة الظن إصابة الطهور فلا أثر له؛ كما لو اختلطت أخته بأجنبيات، والميتة بمذكيات.
وأما كونه يتيمم إذا لم يتحر في الصور الثلاث؛ فلأن ذلك شأن عادم الماء لدخوله تحت قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة: ٦].
وأما كون إراقتهما أو خلطهما يشترط على روايةٍ فليتحقق عدم الماء الطهور حسًا وشرعًا.