للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة أصحاب القول الرابع:

الدليل الأول: ما رواه جابر - رضي الله عنه - (نهى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) (١).

وجه الدلالة:

أنه نص صريح على نسخ النهي عن ذلك، فإنه إذا جاز استقبال القبلة ببول جاز استدبارها من باب أولى (٢).

نوقش:

بأنه محمول على أنه رآه في البنيان أو مستتراً بشيء، ولا يثبت النسخ بالاحتمال، بل يتعين حمله على ذلك لتتفق الأحاديث ولا تتعارض (٣)، والنسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو هنا غير متعذر إذ يمكن الجمع بينهما بما ذكرنا (٤).

الدليل الثاني: ما روته عائشة -رضي الله عنها- قالت: ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ناساً كانوا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أوقد (٥) فعلوها؟! حولّوا بمقعدتي (٦) إلى القبلة) (٧).

الدليل الثالث: ما رواه ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس، مستدبراً الكعبة لقضاء حاجته) (٨).

وجه الدلالة من الحديثين:

أنهما ناسخان لأحاديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة.

نوقش: بأنهما محمولان على البنيان فهما خاصان، والخاص يقدم على العام (٩) أو هما محمولان على ما قبل النهي، والنهي يرجح عليه، لأن النهي ناقل عن الأصل وهو الجواز، والناقل عن الأصل أولى، ثم إن حديث أبي أيوب قول، وحديث ابن عمر فعل، والفعل لا يعارض القول لاحتماله الخصوصية أو النسيان (١٠).


(١) تقدم تخرجه قريباً.
(٢) انظر: التمهيد (١/ ٣١٠)، المغني (١/ ٢٢٠)، المجموع (٢/ ٨٢).
(٣) انظر: المغني (١/ ٢٢١).
(٤) انظر: المجموع (٢/ ٨٣).
(٥) هو بفتح الواو، والواو واو العطف، وهو استفهام توبيخ وتقريع. انظر: المجموع (٢/ ٧٨).
(٦) المقعدة: بفتح الميم، هي موضع القعود لقضاء حاجة الإنسان. انظر: المصدر السابق.
(٧) رواه أحمد (٦/ ١٨٣، ١٨٤)، وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك في الكنيف، (١/ ١١٧) برقم ٣٢٤، والدارقطني (١/ ٥٩، ٦٠)، والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ٩٢، ٩٣)، وحسنه النووي في المجموع (٢/ ٨٢)، ولكن ضعفه ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٣٨٥).
(٨) رواه البخاري، في كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت -صحيح البخاري مع الفتح- (١/ ٢٥٠) برقم ١٤٨، ١٤٩، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة (١/ ٢٢٥) برقم ٢٦٦.
(٩) انظر: المغني (١/ ٢٢١).
(١٠) انظر: زاد المعاد (٢/ ٣٨٦).

<<  <   >  >>