للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأدلة:

أدلة أصحاب القول الأول:

الدليل الأول: من الكتاب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (١) الآية.

وجه الاستدلال عندهم في هذه الآية:

قالوا: أن الله قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} والباء هنا للتبعيض وليست للإلصاق.

وقالوا: إذا دخلت الباء على مفعول يتعدى بنفسه كانت للتبعيض كقوله تعالى:

{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} وإن لم يتعد فللإلصاق، كقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٢) فيكون معنى الآية: "وامسحوا ببعض رؤوسكم" (٣).

وأجيب عن ذلك:

بأن قولهم أن الباء للتبعيض غير صحيح ولا يعرف أهل العربية ذلك، قال ابن قدامة: قال ابن برهان (٤): "من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه" (٥). أ. هـ.

الدليل الثاني: عن المغيرة بن شعبة (٦): (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح بناصيته (٧)، وعلى العمامة وعلى خفيه) (٨).

وجه الاستدلال من هذا الحديث:

قالوا: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسح على ناصيته، والناصية: مقدمة الرأس، فهذا دليل على أن مسح بعض الرأس يجزئ ولو كان مسح جميع الرأس واجباً لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأجيب عن ذلك:

بأن هذا ورد مع العمامة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته وعلى العمامة فلا يتم الاستدلال بالحديث على محل النزاع؛ لأن النزاع في مسح بعض الرأس مكشوفاً، ولو جاز الاقتصار على الناصية لما مسح على العمامة (٩)، فدل هذا على أن هذا الحديث ليس فيه حجة لهم فيما ذهبوا إليه.


(١) المائدة:٦.
(٢) الحج:٢٩.
(٣) انظر: الحاوي الكبير (١/ ١١٥).
(٤) عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري، أبو القاسم شيخ العربية، سكن بغداد، وكان مضطلعاً بعلوم كثيرة منها: النحو، واللغة، ومعرفة النسب، والحفظ لأيام العرب، وأخبار المتقدمين، وله أنس شديد بعلم الحديث، مات يوم الأربعاء سلخ جمادى الأولى من سنة ست وخمسين وأربعمائة. تاريخ بغداد ١١/ ١٧؛ وسير أعلام النبلاء ١٨/ ١٢٤.
(٥) المغني (١/ ١٢٦)
(٦) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم، صحابي، يقال له مغيرة الرأي، أسلم قبل عمرة الحديبية، وشهدها واليمامة وفتوح الشام، وذهبت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية ونهاوند وهمدان، ولاه عمر ثم عثمان، ثم ولاه معاوية الكوفة وتوفي بها سنة ٥٠ هـ. انظر ترجمته في: الإصابة (٣/ ٤٥٢)، وأسد الغابة (٤/ ٤٠٦).
(٧) الناصية: مقدم الرأس. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود ١/ ٢٥٥.
(٨) أخرجه مسلم من حديث طويل ذكر فيه كيفية وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب الطهارة، باب المسح على الناصية والعمامة، حديث رقم (٢٧٤) ١/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٩) انظر: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ١/ ٣٧٣.

<<  <   >  >>