وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يَتَأَدَّيَانِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَا يَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى بِهِمَا (قَوْلُهُ الْبَالِغِينَ) احْتِرَازًا عَنْ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَوْضُوعَةٌ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ (قَوْلُهُ الْعُقَلَاءِ) يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَجَانِينِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» .
(قَوْلُهُ الْأَصِحَّاءِ) أَيْ أَصِحَّاءِ الْبَدَنِ وَالْجَوَارِحِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالزَّمِنِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْعِبَادَةِ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا مَا دَامَ الْعَجْزُ بَاقِيًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَعْمَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَيَجِبُ فِي مَالِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَزَادًا وَرَاحِلَةً وَمَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْعَجْزُ بِالْمَرَضِ إنْ كَانَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ (قَوْلُهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الرَّاحِلَةُ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا فِيمَا دُونَهَا لَا تُشْتَرَطُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ وَعِيَالَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إلَى عَوْدِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ مَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا قِيلَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُسِيءُ خُلُقَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: ٢٧] وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْوَاحِدَةُ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَمْشِي فِي حَجِّهِ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ إلَى جَنْبِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَفِي الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَزِمَتْهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ (قَوْلُهُ فَاضِلًا) انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ عَنْ مَسْكَنِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَالْخَادِمِ وَالْأَثَاثِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَقِيلَ فَاضِلًا عَنْ أَصْدِقَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ) يَعْنِي نَفَقَةَ وَسَطٍ لَا نَفَقَةَ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَكَذَا عَنْ نَفَقَةِ خَدَمِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِاعْتِبَارِ الضَّعْفِ فِي السَّفَرِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا) يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ وَقِيلَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ يَحُجُّ بِهَا أَوْ زَوْجٌ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ بِالرَّحِمِ أَوْ بِالصُّهُورِيَّةِ أَوْ بِالرَّضَاعِ وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى التَّأْبِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا إذَا أَعْتَقَتْهُ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي تُشْتَهَى كَالْبَالِغَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ يَجُوزُ لَهُنَّ السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَالْمَحْرَمُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَجِّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً فَلَا تَخْرُجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا اكْتِسَابُ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ لِحَجَّةِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ فَلَهُ مَنْعُهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute