للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقَامَةِ الْغَيْرِ مَقَامَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ لِنَفْسِهِ أَيْ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ مُسْتَبِدًّا بِهِ، وَهَذَا الدَّفْعُ نَقَضَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ كُلُّ فِعْلٍ جَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعُقُودِ وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ مِثْلُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ ثُمَّ الْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْوَكَالَةُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي هَذَا أَوْ بِشِرَاءِ كَذَا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ أَحْبَبْت أَنْ تَبِيعَ عَبْدِي هَذَا أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت فَهُوَ تَوْكِيلٌ، وَلَوْ قَالَ لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِي لَا يَكُونُ هَذَا تَوْكِيلًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

[التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ]

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَوْ بِالْجَوَابِ الصَّرِيحِ قَوْلُهُ (فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِثْبَاتِهَا) أَيْ فِي جَمِيعِهَا، وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاللِّعَانِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِيهَا وَلَا فِي إثْبَاتِهَا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهِمَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ) يَعْنِي الْمَقْذُوفَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَوَلِيَّ الْقِصَاصِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَعْنِي مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُصُومَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ وَقَوْلُهُ أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمَّا دُونَهَا فَهُوَ كَالْحَاضِرِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْلَفْ خِطَابَ الرِّجَالِ فَإِذَا حَضَرَتْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ انْقَبَضَتْ فَلَمْ تَنْطِقْ بِحُجَّتِهَا لِحَيَائِهَا وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَوَاتِ حَقِّهَا، وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ جَعَلُوهَا كَالْمَرِيضِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا تَحْضُرُ مَجَالِسَ الرِّجَالِ فَهِيَ كَالرَّجُلِ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُوجِبُ لُزُومَ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَيْضُ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ هِيَ طَالِبَةً قُبِلَ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً إنْ أَخَّرَهَا الطَّالِبُ حَتَّى يَخْرُجَ الْقَاضِي مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ بِهَا إلَى التَّوْكِيلِ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ يَعْنِي هَلْ تَرْتَدُّ الْوَكَالَةُ بِرَدِّ الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ وَعِنْدَهُمَا لَا وَيُجْبَرُ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا.

وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ بِالْإِضْرَارِ إلَى الْمُدَّعِي بِالتَّوْكِيلِ بِحِيَلِهِ وَأَبَاطِيلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ وَإِلَّا فَيَقْبَلُهُ وَقَيَّدَ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَالتَّقَاضِي وَالْقَضَاءَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إجْمَاعًا ثُمَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ إذَا أَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهَا سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ فِي مَنْعِ الْوَكِيلِ مِنْ الْقَبْضِ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْبَيْعُ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُون الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِيُمَلِّكَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَصِحُّ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>