تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفْرِهَا.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ يَعْنِي بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهَا إجْمَاعًا وَإِنَّمَا مُلِكَتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ تَبَعًا لَا أَصَالَةً وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَالَ دُبُرُك طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ وَكَذَا فِي الْمَمْلُوكَةِ لَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ شَعْرُكِ طَالِقٌ أَوْ ظُفْرُكِ أَوْ رِيقُكِ أَوْ دَمْعُكِ أَوْ عَرَقُكِ لَمْ تَطْلُقْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَرُبُعًا أَوْ طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً وَنِصْفَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ النِّصْفَ إلَى الْمُوقَعَةِ وَقَدْ وَقَعَتْ جُمْلَتُهَا فَلَمْ تَقَعْ ثَانِيًا وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ أَثْبَتَ الْوَاوَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَلْقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا وَقَعَ عَلَيْهِنَّ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَا إلَى الثَّمَانِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ طَلْقَةٌ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ كُنَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ قِيلَ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكَامَلَ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى طَلْقَةٍ نَكِرَةٍ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى تَطْلِيقَةٍ مُعَرَّفَةٍ بِالْكِنَايَةِ وَالْمُعَرَّفَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ
[طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ]
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) أَمَّا الْمُكْرَهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقَعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لَا يَقَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَلْ قَصَدَ الْإِقْرَارَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ وَالْهَازِلُ بِالطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ» وَقَوْلُهُ وَالسَّكْرَانِ هَذَا إذَا سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ أَمَّا مِنْ الْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ لَا يَقَعُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَفِي شَاهَانْ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَنْجٌ أَمَّا إذَا عَلِمَ يَقَعُ.
وَفِي الْمُحِيطِ السُّكْرُ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ وَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ وَإِنْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَسَكِرَ فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ يَقَعُ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ لَا يَقَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَاقُ مِنْ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَوْ مُضْطَرًّا (مَسْأَلَةٌ) عَشْرَةُ أَشْيَاءَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ زَوَالُهُ زَجْرًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالشَّرَائِعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ قُلْنَا زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَكَذَا الْعَتَاقُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute