للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ لَا غَيْرُ وَكَانَ الْحَجُّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْفَرْضِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَكَانَتْ أَقْوَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَوْصَى أَنْ يَتَّخِذ طَعَامًا لِلنَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ لِلَّذِي يَطُولُ مُقَامُهُ عِنْدَهُمْ وَلِلَّذِي يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي لَا يَطُولُ مُقَامُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ لِيَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُضْرَبَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ أَوْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ فِي حَمْلِهِ وَلَوْ قِيلَ لِمَرِيضٍ أَوْصِ بِشَيْءٍ فَقَالَ بِثُلُثِ مَالِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا إنْ أَخْرَجَهُ عَلَى أَثَرِ السُّؤَالِ يُخْرَجُ ثُلُثُ مَالِهِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَمَصْرِفُهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك فَهُوَ هِبَةٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلُهُ (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي) يَعْنِي النَّوَافِلَ لِأَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَالْإِنْسَانُ يُقَدِّمُ الْأَهَمَّ فَكَانَ مَا قَدَّمَهُ أَوْلَى

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ كَذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَتَّسِعُ لِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ كَثِيرَةٌ حَجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مِنْ أَقْرَبِ أَوْطَانِهِ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْقِرَانِ فَيَحُجُّ عَنْهُ قَارِنًا مِنْ خُرَاسَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ لَا يَفِي بِذَلِكَ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ عَنْهُ بِالْبَاقِي مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضُمُّ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ إلَى مَالِ الْمُوصِي وَيُؤْخَذُ ثُلُثُهُ وَيَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا أَنْفَقَ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ

[وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ]

قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هِبَتُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالُ الصِّحَّةِ آكَدُ فِي الثُّبُوتِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَالِغِ أَنْ يَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لَمْ تَصِحَّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا أَضَافَا الْوَصِيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِحَيْثُ تَصِحُّ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتَمَّةٌ وَالْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى حَالِ سُقُوطِهِ قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ

[الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ]

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا نَوْعُ تَبَرُّعٍ لَمْ تَتِمَّ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا كَالْهِبَةِ قَالُوا إلَّا فِيمَا وَقَعَ لَازِمًا كَالْمُحَابَاةِ الْمُنْجَزَةِ وَالتَّبَرُّعِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>