[كِتَابُ الدِّيَاتِ]
(كِتَابُ الدِّيَاتِ) الدِّيَةُ بَدَلُ النَّفْسِ، وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَالدِّيَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُؤَدَّى فِي بَدَلِ الْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْقِيمَةُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الدِّيَةَ قِيمَةً لِأَنَّ فِي قِيَامِهَا مَقَامَ الْفَائِتِ قُصُورًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، وَفِي شَبَهِ الْعَمْدِ، وَفِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَفِي قَتْلِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ وَهَذِهِ الدِّيَاتُ كُلُّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا قَتْلَ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا شَبَهَ عَمْدٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) سُمِّيَ هَذَا الْقَتْلُ شَبَهَ عَمْدٍ لِأَنَّهُ شَابَهُ الْعَمْدَ حِينَ قَصَدَ بِهِ الْقَتْلَ وَشَابَهُ الْخَطَأَ حِينَ لَمْ يَضْرِبْهُ بِسِلَاحٍ وَلَا بِمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَصَارَ عَمْدًا خَطَأً. قَوْلُهُ: (وَدِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا إلَى آخِرِهِ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَثْلَاثًا ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا حَامِلَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا يَعْنِي الْأَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُثْبِتُوهُ إلَّا فِيهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ) حَتَّى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا فِي الذَّهَبِ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَتْلُ الْخَطَأِ يَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] قَوْلُهُ: (وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُمَا جَعَلَا بَدَلَ ابْنِ الْمَخَاضِ ابْنَ لَبُونٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافٍ) يَعْنِي وَزْنَ سَبْعَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) إزَارٌ وَرِدَاءٌ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
قَوْلُهُ: (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ جُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ فِي مِيرَاثِهَا وَشَهَادَتِهَا فَكَذَا فِي دِيَتِهَا وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُعْتَبَرٌ بِدِيَتِهَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ أُصْبُعَ امْرَأَةٍ فَقَالَ فِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ قَالَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ قَالَ فِيهَا ثَلَاثُونَ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعًا قَالَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ رَبِيعَةُ لَمَّا عَظُمَ أَلَمُهَا وَزَادَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ أَرْشُهَا فَقَالَ لَهُ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا بَلْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ قَالَ هَكَذَا السُّنَّةُ أَرَادَ سُنَّةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
قَوْلُهُ: (
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute