للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ) (شَهَادَةُ النِّسَاءٍ مَعَ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]

الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ دُونَ الرَّمْيِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُسُوقِ، وَالْكُفْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا) بِأَنْ قَالَ: يَا زَانِي أَوْ أَنْتَ زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانِي أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَإِنَّمَا قَالَ بِصَرِيحِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْكِنَايَةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا، وَقَالَ لَهُ آخَرُ صَدَقْت لَا حَدَّ عَلَى الَّذِي قَالَ صَدَقْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. قَوْلُهُ: (فَطَالَبَهُ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ) بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِعْلُ الزِّنَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِتَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ أَوْ بِأَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي خِلَالِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَدِّ.

قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ أُطْلِقَتْ شَهَادَتُهُ وَأُجِيزَتْ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ زِنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَالضَّرْبُ الَّذِي لَيْسَ بِحَدٍّ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَإِنْ قِيلَ النَّصُّ وَرَدَ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ فَكَيْفَ أَشْرَكْتُمْ الْمُحْصَنِينَ مَعَهُنَّ قُلْنَا النَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِيهِنَّ فَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِدَفْعِ الْعَارِ وَهُوَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي الْأَعَمِّ لَهُنَّ قَوْلُهُ: (حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ، وَحَقَّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى إنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ ثُمَّ عَفَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَبَانَ لَنَا أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ مُخْتَلِطٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَأَصْحَابُنَا مَالُوا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَضَمَّنُ عَدَدًا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ فَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُورَثْ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالَ فِيهِ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ حَتَّى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا عَبْدٌ فَحُدَّنِي حَدَّ الْعَبْدِ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ حَتَّى يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ أَنْتَ عَبْدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ فِي قَذْفِك حَدٌّ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ أَيْضًا، وَلَوْ كَرَّرَ الْقَذْفَ بَعْدَ الْحَدِّ لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَرْخِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ اللِّعَانِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُلَاعِنُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ، وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ فِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَخَاصَمُوا ضُرِبَ لَهُمْ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا خَاصَمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَحُدَّ فَالْحَدُّ يَكُونُ لَهُمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا عَلَى الْقَاذِفِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي قَذْفِهِ بَطَلَ الْحَدُّ فِي حَقِّهِ وَلَمْ يُحَدَّ لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ كَرَّرَ الْقَذْفَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدُّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا حُدَّ الْقَاذِفُ وَفَرَغَ مِنْ حَدِّهِ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدٌّ آخَرُ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَضُرِبَ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>