فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَمَّطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ.
وَلَوْ غَلَّقَ عَلَى حُرٍّ بَيْتًا أَوْ طَيَّنَهُ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَإِنَّمَا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرُ وَهُوَ فَقْدُ الطَّعَامِ، وَالْمَاءِ فَلَمْ يَبْقَ لَا الْيَدَ، وَالْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ أَدَّاهُ إلَى التَّلَفِ كَسَقْيِ السُّمِّ وَإِنْ سَقَى رَجُلًا سُمًّا أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَطْعَمَهُ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَيُضْرَبُ وَإِنْ أَوْجَرَهُ إيَّاهُ أَوْ كَلَّفَهُ أَكْلَهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ الْقَاتِلُ لَهَا وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ إلَيْهِ إنَّمَا غَرَّهُ، وَالْغُرُورُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ النَّفْسِ وَإِنْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ عَلَى رَأْسِهِ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ) سَوَاءٌ تَعَمَّدَ الْمَقْتَلَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَهُ فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ فَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ، وَالْقَوَدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ عِنْدَنَا) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْعَمْدَ وَحُكْمَهُ فَقَالَ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ وَذَكَرَ الْخَطَأَ وَحُكْمَهُ فَبَيَّنَ الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَأِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي الْعَمْدِ كَوُجُوبِهَا فِي الْخَطَأِ لَبَيَّنَهَا وَمِنْ حُكْمِ الْقَتْلِ أَنْ يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَكَذَا لَهُمْ أَنْ يُصَالِحُوا عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَإِذَا صَالَحُوا سَقَطَ حَقُّهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ عَفَوْا.
(قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ ثُمَّ إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ مَالٍ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ لَمْ يُصَالِحُوا وَلَكِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ بَطَلَ الْقِصَاصُ وَلَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْعَافِي مَالًا وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْبَاقِي مَالًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا وَمَتَى تَعَذَّرَ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا ثُمَّ نَصِيبُ الْعَافِي لَا يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهِ وَنَصِيبُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ.
[الْقَتْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ]
قَوْلُهُ: (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) بَلْ يَضْرِبُهُ بِشَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ كَمِدَقَّةٍ الْقَصَّارِينَ، وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ، وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا قَتَلَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَهُ وَقَالَا هُوَ عَمْدٌ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ لَطَمَهُ عَمْدًا فَمَاتَ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فَمَاتَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ إجْمَاعًا وَإِنْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ صَغِيرٍ وَوَالَى الضَّرْبَ حَتَّى قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ: وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَهُمَا أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) لِأَنَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ يُقْصَدُ التَّأْدِيبُ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَأْثَمُ، وَالْكَفَّارَةُ) فَإِنْ قُلْت: وَجَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ الْإِثْمِ، وَالْكَفَّارَةِ وَهِيَ سِتَارَةٌ قُلْت: جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْإِثْمُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْقُطُ الْإِثْمُ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَوَدَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ وَإِذَا الْتَقَى صَفَّانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّهُ كَافِرًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ أَيْضًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَدْخُلُ الْقَاتِلُ مَعَهُمْ فِي الدِّيَةِ فَيَكُونُ كَأَحَدِهِمْ.
[الْقَتْلُ الْخَطَأِ]
قَوْلُهُ: (وَالْخَطَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ) أَوْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا