للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ " مَلَكَ " لِيَتَنَاوَلَ وُجُوهَ الْمِلْكِ مِنْ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ، وَالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا يُكْرَهُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْغَنَائِمِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ إنْ كَانَتْ قَرَابَةُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْآخَرِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَبًا، وَالْآخَرُ جَدًّا، أَوْ أَحَدُهُمَا أُمًّا، وَالْآخَرُ جَدَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالْآخَرُ أَخًا لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْأَبْعَدَ مِنْهُمَا، أَوْ يَبِيعَ الصَّغِيرَ مَعَ الْأَقْرَبِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَرَابَتُهُمَا إلَى الصَّغِيرِ سَوَاءٌ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ عَمَّيْنِ، أَوْ خَالَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَرَابَةُ الْكَبِيرَيْنِ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَرَابَتُهُمَا إلَيْهِ سَوَاءً نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ، أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ، أَوْ خَالٌ وَعَمٌّ فَاَلَّذِي يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ قَامَ مَقَامَ الْأُمِّ وَاَلَّذِي يُدْلِي بِالْأَبِ كَالْأَبِ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَأُمٌّ وَاجْتَمَعُوا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَذَا هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ، أَوْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْبَيْعُ) وَيَأْثَمُ (فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) .

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْوَالِدَيْنِ وَجَائِزٌ فِي الْأَخَوَيْنِ، ثُمَّ التَّفْرِيقُ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِيهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ أَحَدُهُمَا جِنَايَةً فِي بَنِي آدَمَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْجَانِيَ مِنْهُمَا وَيُمْسِكَ الْآخَرَ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ التَّفْرِيقُ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَالًا لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّفْرِيقِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهُمَا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يُمْسِكُهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا، أَوْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ، أَوْ الْمُعْتَقَ يَصِيرُ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ فَيَدُورُ حَيْثُ مَا دَارَ صَاحِبُهُ.

[بَابُ الْإِقَالَةِ]

الْإِقَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الرَّفْعُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ وَخَصَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلُهَا وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُمَا الْمُسَاوَمَةُ كَالنِّكَاحِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ كَالْبَيْعِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْإِقَالَةِ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ عَيْبٌ أَمَّا إذَا تَعَيَّبَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَقَالَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَهِيَ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي هَذَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>