للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إفَاتَةُ الرُّوحِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَطْعُ الْأَوْدَاجِ دُونَ إفَاتَةِ الرُّوحِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْقَاضِي رَجُلًا مُشَاهَرَةً عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَرَةٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَالْمُدَّةُ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الضَّرْبِ فَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ.

[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ، أَوْ مِمَّا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ، أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، وَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْإِجَارَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ وَطَرَأَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ لَا تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ، ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ جَائِزًا.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَالْقِيَامُ بِهِ -، وَاللَّبَنُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ، وَالْخِدْمَةُ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ ابْنَهَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اسْتِئْجَارِهَا أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ يَقَعُ لِلصَّغِيرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ، أَوْ الْخَبْزِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي هَذَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ سَمَّى الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا) مَخَافَةَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غِشْيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهَا الْعَمَلَ وَلَمْ يَسْتَحِقُّوهُ فِي مَكَان

<<  <  ج: ص:  >  >>