الْوَقْفِ إلَّا بِالشَّرْطِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يُجْعَلَ آخِرُهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ كَالْعِتْقِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَسَاكِينِ لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا وَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ وَالْحَمْلِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ذِمِّيٍّ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: ٨] وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَلَا عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَعْدُومٍ كَالْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَلْفَاظُ الْوَقْفِ سِتَّةٌ وَقَفْت وَحَبَسْت وَسَبَّلْت وَتَصَدَّقْت وَأَبَّدْت وَحَرَّمْت فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى صَرِيحٌ فِيهِ وَبَاقِيهِ كِنَايَةٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَمَّى جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ جَعَلْتهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفُقَرَاءَ وَلَا الْمَسَاكِينَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهَا لِلَّهِ فَقَدْ أَبَّدَهَا؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِلَّهِ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمْ وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ كَالْعِتْقِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْغَلَّةِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا، وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا عَلَى وَلَدِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهِيَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّ غَلَّتَهَا تَكُونُ لِوَلَدِهِ مِنْ صُلْبِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالْخُنْثَى قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ الْوَقْفِ وَلِكُلِّ وَلَدٍ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِمَنْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ يَوْمَ تَأْتِي الْغَلَّةُ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ دَخَلُوا فِي الْوَقْفِ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الْغَلَّةِ إنْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ طَلَعَتْ الْغَلَّةُ دَخَلَ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ قَبْلَهَا فَلِهَذَا دَخَلَ مَعَهُمْ.
فَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الْغَلَّةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهَا وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ مَجِيئِهَا فَحِصَّتُهُ لَهُ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ وَإِذَا قَالَ وَقَفْت هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى أَوْلَادِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى نَسْلِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ نَسْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: ٨٤] فَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى الْبُعْدِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْأُمِّ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْخُنْثَى، وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْبَنَاتِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْخُنْثَى أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا هُوَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ دَخَلَ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَنِينَ وَلَا مِنْ الْبَنَاتِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي زَيْدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنَاتُهُ.
[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي لَا يَصِحُّ بَرِئَ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ وَتَعْلِيقُ الْوَقْفِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَاجْعَلُوا أَرْضِي وَقَفَا جَازَ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ يَجُوزُ.
[وَقْفُ الْعَقَارِ]
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْعَقَارِ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَالْوَقْفُ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ أَرْضًا فِيهَا أَثْوَارٌ وَعَبِيدٌ لِمَصَالِحِهَا فَيَكُونُونَ وَقْفًا مَعَهَا تَبَعًا أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَقْفِهِ كَالْمَرِّ لِحَفْرِ الْقُبُورِ أَوْ الْجِنَازَةِ وَثِيَابِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ وَقَفَ الْأَشْجَارَ الْقَائِمَةَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَيُنْتَفَعُ بِثِمَارِهَا دُونَ أَغْصَانِهَا إلَّا فِيمَا يُعْتَادُ قَطْعُهُ لِيُبْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute