فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا جَازَ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ لِئَلَّا يَسْتَذِلَّهُ بِالْخِدْمَةِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ.
[بَابُ الصَّرْفِ]
الصَّرْفُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا، وَالْفَرْضُ عَدْلًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» الْعَدْلُ هُوَ الْفَرْضُ وَالصَّرْفُ هُوَ النَّفَلُ وَسُمِّيَ الْفَرْضُ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ النَّفْلِ وَالرَّدِّ فِي بَدَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِمَعَانٍ عَنْ الْبَيْعِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ كَالسَّلَمِ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ)
الصَّرْفُ اسْمٌ لِعُقُودٍ ثَلَاثَةٍ: بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِاسْمِ الصَّرْفِ اخْتَصَّ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا وُجُودُ التَّقَابُضِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاتًّا لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ - وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ - انْقَلَبَ جَائِزًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُ الصَّرْفِ مُؤَجَّلًا فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ أَجَلَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَقَدَّمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقَلَبَ جَائِزًا فَلِزُفَرَ: رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ وَالطَّوْقِ وَيَكُونُ الطَّوْقُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَرْفًا وَالْجَارِيَةُ بِتِسْعِمِائَةٍ بَيْعًا فَلَوْ افْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ صَحِيحٌ بِتِسْعِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَالصَّرْفُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ فَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْأُولَى: لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا انْعَقَدَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الصَّرْفُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهِ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ إبْطَالَ الْبَيْعِ فِي الْجَارِيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ إنَاءً مَصُوغًا مِنْ نُحَاسٍ بِإِنَاءٍ مِنْ نُحَاسٍ حَيْثُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ بِالنُّحَاسِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ بِالصِّنَاعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُعَارِضُ النَّصَّ، وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ فَيَتَغَيَّرَانِ بِالصِّنَاعَةِ وَكَذَا الْحَدِيدُ حُكْمُهُ حُكْمُ النُّحَاسِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ ثَابِتٌ فِيهِمَا بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالصَّنْعَةِ لِتَعَارُفِ النَّاسِ فِي بَيْعِ الْمَصْنُوعِ مِنْهُمَا عَدَدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَنْ غَصَبَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَكَسَرَهُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِذَا تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ، وَوَزْنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ وَمَعَ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا شَيْءٌ آخَرُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْخِلَافِ تَبْلُغُ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً كَالْقَلْسِ، وَالْجَوْزَةِ، وَالْبَيْضَةِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَاهُ لِيَجُوزَ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَجِدُهُ فِي قَلْبِكَ قَالَ أَجِدُهُ مِثْلَ الْجَبَلِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْخِلَافِ قِيمَةٌ كَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَكُونُ بِإِزَائِهَا بَدَلٌ فَيَكُونُ رِبًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ وَهَاءَ وَهَاءَ» «وَقَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ ذَكَرَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ لَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكُمَا لَبْسٌ» ، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ» وَقَالَ عُمَرُ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ أَيْ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِإِخْرَاجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute