الْحَاجِّ الْمُسَافِرِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُقَامُ فِي رَجَبٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) اعْتِبَارًا بِالْفِطْرَةِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ.
وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحَّى عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ الصَّغِيرُ مَا أَمْكَنَهُ وَيُدَّخَرُ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيُبْتَاعُ لَهُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَالِغُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ فِي شَاهَانْ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُوسِرًا ضَحَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا ابْنُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَحِّي عَنْهُ إذَا كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَإِنْ وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَإِنْ مَاتَ ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ تَجِبُ عِنْدَنَا بِآخِرِ وَقْتِهَا فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ أَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ فَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ مَعَهُ لَمْ يُضَحِّ عَنْهُمْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَأَوْلَادُهُ مُسَافِرِينَ ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَمَنْ مَاتَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا قَوْلُهُ: (يَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً) شَرْطُ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ الْإِرَاقَةُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَذْبَحُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ) ، وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ الْقُرَبِ بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ الْهَدْيَ، وَالْآخَرُ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالْآخَرُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَالْآخَرُ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْآخَرُ التَّطَوُّعَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ الْقُرَبُ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكُلِّ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ أَيْضًا لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا يَجُوزُ عَنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ فَالْقِسْمَةُ لِلَّحْمِ بِالْوَزْنِ فَإِنْ اقْتَسَمُوا أَجْزَاءً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ، وَالْجِلْدِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ وَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَرَضِيَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الذَّبْحُ وَفِعْلُ الْوَارِثِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ فَصَارَ نَصِيبُهُ اللَّحْمَ فَلَمْ يَجُزْ وَلَنَا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ أَنْ يَتَقَرَّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْقُرْبَةِ فَيَجُوزُ عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذِمِّيًّا أَرَادَ الْقُرْبَةَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) أَمَّا الْفَقِيرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ.
[وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ]
قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) فَلَوْ جَاءَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَسُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَ عَدَدُهَا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْنِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute