سَجْدَةٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ يَسْمَعُهَا ثُمَّ قَامَ التَّالِي وَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ ثَانِيًا ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ هَكَذَا مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي بِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا السَّامِعُ فَتَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَجْلِسُ السَّامِعِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ التَّالِي مَكَانَهُ وَالسَّامِعُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَسْمَعُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى السَّامِعِ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ نَامَ مُضْطَجِعًا انْقَطَعَ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَجَدَهَا عَلَيْهَا جَازَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا فِي رَاكِبٍ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ رَاكِبًا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إيمَاءٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى رَكِبَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ سَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ كَذَا فِي هَذَا وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَتْ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَرَأَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَدَّاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً لِاخْتِلَافِ الْآيَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِيهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَقُولَ فِيهَا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: ١٠٨] أَيْ قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ أَنَّ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ نَبِيًّا مِنْ الْعَرَبِ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِ - قُرْآنًا فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَجَدُوا لِلَّهِ وَحَمِدُوهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ وَقَالُوا قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي يَحْرُمُ بِهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا تَجُوزُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الشَّرَائِطِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِنْ سَجَدَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ مُقْتَدِيَةً بِهِ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى إمَامَتَهَا
(قَوْلُهُ: وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ التَّحْرِيمَةُ مُنْعَدِمَةً وَقَدْ قَالَ وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ، وَالتَّكْبِيرُ لِلتَّحْرِيمَةِ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ لِلتَّحْرِيمَةِ بَلْ لِمُشَابَهَتِهَا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ فَكَذَا هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ التِّلَاوَةِ إلَى السُّجُودِ، مَسْأَلَةٌ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَصُورَتُهَا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ أَوْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ أَوْ قَدِمَ لَهُ غَائِبٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِيهَا وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أُخْرَى فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا نَامَ فِيهَا وَفِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لَهَا هَلْ يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا.
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْء إلَى شَرْطِهِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلسُّجُودِ وَالسَّفَرَ سَبَبٌ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التِّلَاوَةُ وَهِيَ عِبَادَةٌ وَسَبَبَ قَصْرِ الصَّلَاةِ السَّفَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِعِبَادَةٍ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَالْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُبَاحَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (السَّفَرُ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ وَتَغَيُّرُهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute