للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إذَا كَسَدَتْ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ مُوجِبَةٌ رَدَّ الْعَيْنِ مَعْنًى.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَكَذَا إذَا قَالَ: بِدَانَقٍ فُلُوسًا، أَوْ بِقِيرَاطٍ فُلُوسًا.

وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ تَغْلُو وَتَرْخُصُ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ فَقَدْ بَاعَ مَعْلُومًا بِمَعْلُومٍ فَجَازَ وَقَيَّدَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِدِرْهَمٍ فُلُوسًا، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَعْطَى الصَّيْرَفِيَّ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَالْبَاقِيَ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ الْفُلُوسُ وَالنِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِدِرْهَمٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفُلُوسَ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ إذَا كَانَ لَمْ يُضِفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفَيْنِ إلَى الدِّرْهَمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهِ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ وَالنِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ الَّذِي وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلُ فِي الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَتَفْسِيرَهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ كَعَقْدَيْنِ فَبُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ فِي الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ لَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ عَقْدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا فَبَيْعُ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً لَا يَجُوزُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَدْ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْبَاقِي مِنْ الدِّرْهَمِ فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الرَّهْنِ]

الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ أَيْ حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مَالًا، أَوْ غَيْرَ مَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ احْتِرَازًا عَنْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَاحْتِرَازًا أَيْضًا عَنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ وَثِيقَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا رَهْنُ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ مَحَاسِنِ الرَّهْنِ أَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِجَانِبِ الرَّاهِنِ وَجَانِبِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا جَانِبُ الرَّاهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ يَكُونُ أَلَدَّ الْخِصَامِ خُصُوصًا إذَا وَجَدَ رُخْصَةً مِنْ جَانِبِ الشَّارِعِ بِصَرِيحِ الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْيَدِ الْحَقُّ وَاللِّسَانُ» فَرُبَّمَا يَزِيدُ فِي تَشَدُّدِهِ بِحَيْثُ لَا يَدَعُ الرَّاهِنَ يَقْتَاتُ وَلَا يَتْرُكُهُ يَبَاتُ فَاَللَّهُ تَعَالَى رَحِمَهُ وَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيُسَهِّلَ أَمْرَهُ وَيَنْفَسِحَ بِهِ صَدْرُهُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ فِي فَسْخِهِ وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ فِي مُهْلَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>