[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]
(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) الْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُخَابَرَةً؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ خَبِيرٌ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) إنَّمَا ذَكَرَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ «وَمَا الْمُخَابَرَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَأْخُذَ أَرْضًا بِثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ» وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقِيلَ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعَ بِاعْتِبَارِ عَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَتَزَارَعُونَ هَكَذَا وَقَوْلُهُ بَاطِلَةٌ أَيْ فَاسِدَةٌ وَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْء فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا فَاسِدَةٌ أَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَعْدُومٌ أَوْ مَجْهُولٌ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَجِدُ أُجْرَةً يَسْتَعْمِلُ بِهَا وَمَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» فَالْمُحَاقَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالزَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْمُزَارَعَةُ. وَأَمَّا الْمُزَابَنَةُ فَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ نَخْرِصُهُ تَمْرًا. قَوْلُهُ (وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ أَصْلُ الْمُزَارَعَةِ وَلَا يُقَالُ هَلَّا بَطَلَتْ لِدُخُولِ الْبَقَرِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ فَنَقُولُ الْبَقَرُ غَيْرُ مُسْتَأْجَرَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِعَمَلِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْعَمَلِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا كَانَتْ الْإِبْرَةُ تَابِعَةً لِعَمَلِهِ وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهَا أُجْرَةٌ كَذَلِكَ هَذَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ أَيْضًا) وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَامِلَ مُسْتَأْجَرٌ لِلْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ جَازَتْ أَيْضًا) وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِوَاحِدٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَهَذَا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ بَاطِلٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ هَا هُنَا مُسْتَأْجَرَةٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ تَابِعَةً لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَطْ عَلَى الْعَامِلِ، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute