[كِتَابُ الْإِيلَاءِ]
هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْيَمِينُ وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْإِيلَاءُ مَمْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ آلَى إيلَاءً وَالْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَأَنْتِ حَائِضٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْعُ مُضَافًا إلَى الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَقْرَبُكِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَطَؤُكِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أَطَؤُكِ أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُمْسِكُ أَوْ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُك أَوْ لَا أَدْنُو مِنْك أَوْ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك أَوْ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهَا الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا.
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أَوْ لَا يَغْشَاهَا إنْ نَوَى الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَيَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ إنْ قَرَبْتُكِ وَإِنْ جَعَلَ لِلْإِيلَاءِ غَايَةً إنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ كَانَ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ لَا أَقْرَبُكِ إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَفْطِمِي طِفْلَك وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى وُجُودُ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ فِي الْمُدَّةِ لَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَمُوتِي أَوْ تُقْتَلِي أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ أُقْتَلَ أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَك ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إجْمَاعًا.
وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَقَالَ لَا: أَقْرَبُكِ حَتَّى أَمْلِكَك أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَكَذَا لَوْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ شِرَاءً فَاسِدًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي وَأَقْبِضَك كَانَ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَانَ مُولِيًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ وَإِنْ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ جَعَلَهُ غَايَةً فَقَالَ حَتَّى أُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا.
وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يُجْعَلُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى يَوْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ صَارَ كُلُّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ كَأَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: صُمْت فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي ابْتِدَائِهِمَا وَأَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا وَأَمَّا إذَا قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا بَقِيَ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ) بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute