للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لَوْ دُعِيَ لِلْأَدَاءِ وَالْقَاضِي مِمَّنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّاهِدِ لَا أَرَى لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ شَهِدَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ خَلْفُ بْنُ أَيُّوبَ: لَوْ رُفِعَتْ الْخُصُومَةُ إلَى قَاضٍ غَيْرِ عَدْلٍ فَلَهُ أَنْ يَكْتُمَ الشَّهَادَةَ حَتَّى يَرْفَعَهَا إلَى قَاضٍ عَدْلٍ وَكَذَا إذَا خَافَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَسِعَهُ الِامْتِنَاعُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى بَاطِلٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ أَخَذَ سُوقَ النَّحَّاسِينَ مُقَاطَعَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَدُعِيَ إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَدَاءُ حَتَّى قَالُوا: لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنَةَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ عِنْدَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَفَ الشَّاهِدُ أَنْ سَبَبَهُ مِنْ وَجْهٍ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا.

(قَوْلُهُ إذَا طَالَبَهُمْ الْمُدَّعِي) هَذَا بَيَانُ وَقْتِ الْفَرْضِيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ) هَذَا إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً أَمَّا إذَا كَانُوا أَقَلَّ فَالسَّتْرُ وَاجِبٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَذْفًا وَإِنَّمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِيهَا لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ فَإِنْ سَتَرَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ أَظْهَرَ فَقَدْ أَظْهَرَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ خُيِّرَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَلِأَنَّ الْإِظْهَارَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَالسَّتْرُ تَرْكُ كَشْفِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُشْهِدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَسَعُهُ كِتْمَانُهُ.

(قَوْلُهُ فَيَقُولُ: أَخَذَ وَلَا يَقُولُ: سَرَقَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَخَذَ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُ سَرَقَ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَقَدْ نُدِبَ إلَى السَّتْرِ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلِأَنَّ فِي قَوْلِهِ أَخَذَ إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: سَرَقَ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ فِي قَوْلِهِ سَرَقَ إحْيَاءُ حَقِّهِ.

[الشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ]

(قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى اللِّوَاطِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ التَّعْزِيرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا وَأَمَّا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ.

(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ وَالنِّسَاءُ شَهَادَتُهُنَّ شُبْهَةٌ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَهِيَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَلَا يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ» وَقَدْ قَالُوا: إنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ تُقْبَلُ فِي الْإِحْصَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُقْبَلُ إلَّا الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ النِّسَاءٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ.

وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي السَّرِقَةِ تُقْبَلُ فِيهَا فِي حَقِّ الْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ إلَّا رَجُلَانِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ.

(قَوْلُهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>