للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّتِّ بِالْوِتْرِ وَمَتَى قَضَى الْفَوَائِتَ إنْ قَضَاهَا بِجَمَاعَةٍ وَكَانَتْ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَوَاشِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَضَاهَا مُرَتِّبًا عَادَ التَّرْتِيبُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا مُرَتِّبًا لَمْ يُعِدْ بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ وَقَضَاهَا إلَّا صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى وَقْتِيَّةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْبَاقِي قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو جَعْفَرٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

وَفِي الْهِدَايَةِ عَوْدُ التَّرْتِيبِ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ الْعَصْرِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ صَلَاتَانِ قَبْلَهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ يُتِمُّهَا وَطَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي هَذَا وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالْمُسْقِطُ لِلتَّرْتِيبِ مِنْ الضِّيقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْغُرُوبِ وَصَارَ الْوَقْتُ وَاسِعًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَالْعَارِي إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ، وَمَا ذَكَرَهُ عِيسَى هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّ مُحَمَّدًا اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الْعَصْرِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَلَوْ أَتَمَّهَا كَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ الضِّيقِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَتَى سَقَطَ فِي صَلَاةٍ لَا يَعُودُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَهُنَاكَ التَّرْتِيبُ غَيْرُ سَاقِطٍ لَكِنْ تَعَذَّرَ لِلْجَهْلِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بَقِيَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ الْعُذْرُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.

وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ احْتِيَاطًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ عَمِلَ عَلَى غَالِبِ رَأْيِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الثَّلَاثَ عَدَدُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدَّى رَكْعَتَيْنِ وَخَرَجَ مِنْهَا إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى بِانْتِقَالِهِ وَكَذَا فِي الْمَغْرِبِ وَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَصَلَاةُ الْفَجْرِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى الْفَجْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَعِنْدَهُمَا صَلَاةُ الْفَجْرِ تَامَّةٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوِتْرِ فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا كَانَ التَّرْتِيبُ شَرْطًا وَعِنْدَهُمَا كَانَ سُنَّةً فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا فَسَدَ فَرْضُ الْفَجْرِ هَلْ تَفْسُدُ سُنَّتُهُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا تَفْسُدُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ فَقَالَ

وَالْوِتْرُ فَرْضٌ وَيُرَى بِذِكْرِهِ ... فِي فَجْرِهِ فَسَادُ فَرْضِ فَجْرِهِ

فَقَيَّدَ بِفَسَادِ فَرْضٍ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ]

(بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ الْعَوَارِضِ فَأَشْبَهَ الْفَوَاتَ فَتَجَانُسُ الْبَابَانِ وَحُجَّةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْقَاتَ الَّتِي تُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ تَقَعُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ جَانِبِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا لَقَّبَ الْبَابَ بِالْكَرَاهَةِ ثُمَّ بَدَأَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْأَغْلَبَ وَالْمَكْرُوهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ فَالْكَرَاهَةُ فِيهِ حَاصِلَةٌ أَيْضًا كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَكْرُوهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ عَدَمُ الْجَوَازِ ثَابِتًا فِي الْكَرَاهَةِ وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مِثْلُ تَسْمِيَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنْ انْخَرَطَ فِيهِ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الظَّهِيرَةِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا) يَعْنِي قَضَاءَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالتِّلَاوَةِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>