بِمِثْلِ مَا أَمْسَكْت) ؛ لِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فِي الْحَالِ أَضْرَرْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى إيفَاءِ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدِّرْ لِلَّذِي يُمْسِكُهُ قَدْرًا مَعْلُومًا لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ ذَا حِرْفَةٍ أَمْسَكَ قُوتَ يَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَا غَلَّةٍ أَمْسَكَ قُوتَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضَيْعَةٍ أَمْسَكَ قُوتَ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا أَمْسَكَ إلَى حِينِ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ مَازِحًا هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَقَالَ وَهَبْته لَك فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ]
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ، فَقَالَ وَهَبْته لَك، فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَضْرِبُونَ فِي طُنْبُورٍ، فَقَالَ لَهُمْ هَبُوا لِي هَذَا حَتَّى تَرَوْا كَيْفَ أَضْرِبُ فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَكَسَرَهُ، وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ ضَرَبْت قَالُوا خَدَعْتنَا أَيُّهَا الشَّيْخُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ.
(مَسَائِلُ) مِنْ الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ بَعَثَ إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ فِي إنَاءٍ أَوْ فِي ظَرْفٍ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ؟ إنْ كَانَ ثَرِيدًا أَوْ نَحْوَهُ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا حَوَّلَهُ إلَى إنَاءٍ آخَرَ ذَهَبَتْ لَذَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاكِهَةً أَوْ نَحْوَهَا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا بَعَثَ بِهَا فِي ظَرْفٍ أَوْ إنَاءٍ مِنْ الْعَادَةِ رَدُّهُمَا لَمْ يَمْلِكْهُمَا كَالْقِصَاعِ وَالْجِرَابِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَادَةِ أَنْ لَا يُرَدَّ الظَّرْفُ كَقَوَاصِرِ التَّمْرِ مَلَكَ الظَّرْفَ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ.
رَجُلٌ كَتَبَ إلَى آخَرَ كِتَابًا وَذَكَرَ فِيهِ اُكْتُبْ الْجَوَابَ عَلَى ظَهْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِلَّا مَلَكَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عُرْفًا رَجُلٌ دَعَا قَوْمًا عَلَى طَعَامٍ وَفَرَّقَهُمْ عَلَى أَخْوِنَةٍ لَيْسَ لِأَهْلِ خِوَانٍ أَنْ يَتَنَاوَلُوا مِنْ خِوَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ خِوَانَهُمْ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَيْسَ لِأَهْلِ خِوَانٍ أَنْ يُنَاوِلُوا أَهْلُ خِوَانٍ آخَرَ مِنْ طَعَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ خَاصَّةً فَإِنْ نَاوَلُوهُمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ رَجُلٌ كَانَ ضَيْفًا عِنْدَ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ سَائِلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ الْخَدَمِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ وَلَا هِرَّةً لِغَيْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَتْ هِرَّةَ صَاحِبِ الْبَيْتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ كَلْبٌ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ فِيهِ عَادَةً فَإِنْ نَاوَلَهُ الْخُبْزَ الْمُحْتَرِقَ وَسِعَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْإِذْنَ عَادَةً.
رَجُلٌ مَاتَ فَبَعَثَ رَجُلٌ إلَى ابْنِهِ بِثَوْبٍ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ هَلْ يَمْلِكُهُ الِابْنُ حَتَّى يَكُون لَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَيُمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِتَكْفِينِهِ لِفِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ فَإِنَّ الِابْنَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ كَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَيْثُ أَحَبَّ الْمُبْرِئُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا سَكَتَ جَازَ، وَإِنْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
الْوَقْفُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْت الدَّابَّةَ وَأَوْقَفْتهَا أَيْ حَبَسْتهَا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَصِلُ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْعِبَادِ فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُورَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) يَعْنِي الْمَوْلَى أَمَّا الْمُحَكَّمُ فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَطَرِيقُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مُحْتَجًّا بِعَدَمِ اللُّزُومِ فَيَتَخَاصَمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِيَ بِلُزُومِهِ، وَكَذَا إذَا أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ فَإِذَا رَضُوا بِزَوَالِ مِلْكِهِمْ جَازَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ قَوْلُهُ (أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ فَيَقُولُ إذَا مِتّ فَقَدْ وَقَفْت دَارٍ عَلَى كَذَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَكَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ (
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute