وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ ثُبُوتِهِ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ وَقَعَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَإِنَّمَا شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جُرْحٍ وَلَا نَفْيٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) وَهُوَ أَنْ يُجَرِّحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ فَيَقُولُ إنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَقَوْلُهُ وَلَا نَفْي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ النَّفْيُ مَقْرُونًا بِالْإِثْبَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى أَنَّهُ يُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ الْمَالِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشُّرُوطِ فِي النَّفْيِ مَسْمُوعَةٌ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذَا الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ ضَحَّى بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَالتَّضْحِيَةُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ قُلْنَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تُسْمَعَ وَلَكِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَأَمَّا إذَا حَكَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنْ عَدَّلَ الشَّاهِدَ وَجَرَّحَهُ آخَرُ فَسَأَلَ الْقَاضِي آخَرَ فَإِنْ عَدَّلَهُ قَضَى بِذَلِكَ وَإِنْ جَرَّحَهُ اثْنَانِ لَا يُقْضَى بِهِ وَإِنْ عَدَّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَلْفٌ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُمْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقِيلَ: فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُفَسِّرُهَا أَمَّا إذَا فَسَّرَهَا لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ: أَنَا أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَصَرَ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُحِ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا وَهَذَا يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَمَرِّ الْعُصُورِ وَالدُّهُورِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ المرغيناني: لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ.
[الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ]
(قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute