[كِتَابُ النِّكَاحِ]
النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ فَسُمِّيَ نِكَاحًا كَمَا سُمِّيَ الْكَأْسُ خَمْرًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ الْوَطْءُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ لِأَنَّ الْأَمَةَ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ حُرِّمَتْ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: ٣] وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ نَاكِحَ الْبَهِيمَةِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَافْتَقَرَ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبُضْعَ عَلَى مِلْكِ الْمَرْأَةِ وَالْمَالُ يَثْبُتُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيجَابٍ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ مِمَّنْ يَلِي عَلَيْهَا وَقَبُولٍ مِنْ الزَّوْجِ قَوْلُهُ (بِلَفْظَيْنِ) وَقَدْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ يُزَوِّجُ ابْنَةَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ إنِّي تَزَوَّجْتُ بِهَذِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ وَلِيَّ صَغِيرَيْنِ أَوْ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَفَاهُ أَنْ يَقُولَ زَوَّجْتُ هَذِهِ مِنْ هَذَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ يَعْنِي الصَّغِيرَيْنِ قَوْلُهُ (يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) أَيْ يُبَيَّنُ بِهِمَا وَالتَّعْبِيرُ هُوَ الْبَيَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣] أَيْ تُبَيِّنُونَ قَوْلُهُ (أَوْ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ قَدْ زَوَّجْتُك) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ اسْتِفْهَامٌ وَعِدَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ فَكَانَ الْقَصْدُ بِلَفْظِهِ الْإِيجَابَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاضِي وَقَوْلُهُ وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ يُرِيدُ بِالْمُسْتَقْبَلِ لَفْظَ الْأَمْرِ مِثْلُ زَوِّجْنِي.
قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ) وَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَقَيَّدَ بِالْحُرِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَقَيَّدَ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي النِّكَاحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute