بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ وَمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِمِيرَاثِهَا وَهُوَ سِتَّةٌ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ لِلرَّجُلِ خَمْسَةُ أَثْمَانٍ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى السِّتَّةِ إلَى الثَّمَانِيَةِ لَا مُنَازَعَةَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ سَهْمَانِ فَيَكُونَانِ لِلرَّجُلِ بَقِيَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ سِتَّةٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَهَا ثَلَاثَةٌ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ سَهْمَيْهِ اللَّذَيْنِ انْفَرَدَ بِهِمَا يَكُونُ خَمْسَةً فَنَقُولُ لَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ السِّتَّةِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلرَّجُلِ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ بِحَقِّ الثُّلُثِ يَبْقَى اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ لَهَا رُبْعُهَا ثَمَانِيَةٌ مِيرَاثًا يَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُعْطَى الرَّجُلُ خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَضْمُومَةٌ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا تِسْعَةٌ مَضْمُومَةٌ إلَى ثَمَانِيَةٍ يَكُونُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ
[الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ]
قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِقَاتِلٍ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاشِرًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ فَإِنْ أَوْصَى لِقَاتِلِهِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ فَهُوَ كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ فَإِذَا أَجَازُوهَا جَازَتْ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَوْصَى لِقَاتِلِهِ اسْتَحَقَّتْ الزَّوْجَةُ رُبْعَ الْمَالِ كَامِلًا وَمَا بَقِيَ وَصِيَّةً لِلْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ أَوْ يُجِيزُهَا الْوَارِثُ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهَا لَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَلَّمْنَا لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعَ مِيرَاثَهَا يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ) الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ بَاطِلَةٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ وَلَمْ تَجُزْ لِلْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: ٨] ثُمَّ قَالَ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٩] الْآيَةَ. وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعَ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُشْبِهُ الْمِيرَاثَ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَلَا تُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ثَبَتَ جَبْرًا فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِ وَارِدًا فِي الْوَصِيَّةِ.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْإِرْثَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِلَايَةِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ كَذَا فِي شَاهَانْ
[قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ]
قَوْلُهُ (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقِفُ عَلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَقِفُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ كَالْمِيرَاثِ وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَوَقَفَ عَلَى الْقَبُولِ كَالتَّمْلِيكِ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنْ وُجِدَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَمَّتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُزِيلُ الْأَمْلَاكَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ رَدَّهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْقَبُولُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَدَلِيلٌ فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْت مَعَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالدَّلِيلُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونُ مَوْتُهُ قَبُولًا لِوَصِيَّتِهِ وَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرَابَةِ بِتَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ وَلَا مِنَّةَ
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهَا فَقَدْ اطْمَأَنَّ قَلْبُ الْمُوصِي إلَى تَصَرُّفِهِ فَمَاتَ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مُوَكِّلِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَرْخِيِّ عَلَى مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ