السَّرِقَةِ وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِذَا بَرِئَ أَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَجْمٌ يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ يُرْجَمُ وَيَبْطُلُ مَا عَدَاهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِي النَّفْسِ وَيَلْغُو مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي الْقَذْفِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] وَلِأَنَّهُ أَذَى الْمَقْذُوفَ بِلِسَانِهِ فَسَلَبَهُ اللَّهُ ثَمَرَةَ لِسَانِهِ مُجَازَاةً لَهُ وَثَمَرَةُ اللِّسَانِ نَفَاذُ الْأَقْوَالِ فَلَوْ قُبِلَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ قَذْفَهُ كَانَ صِدْقًا فَيَنْهَتِكُ عِرْضُ الْمُسْلِمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] قُلْنَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ الْفِسْقِ دُونَ الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ الْفِسْقَ وَسُقُوطَ الشَّهَادَةِ فَبِالتَّوْبَةِ يَزُولُ عَنْهُ اسْمِ الْفِسْقِ وَيَبْقَى الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ اللَّهَ أَكَّدَ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ بِالتَّأْبِيدِ فَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ تُقْبَلُ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ التَّأْبِيدِ مَعْنًى فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ حُدَّ فِي الْإِسْلَامِ حَدًّا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ كَافِرًا فَحُدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ لَهُ نَوْعُ شَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ قَذَفَ الْعَبْدُ رَجُلًا فِي حَالِ الرِّقِّ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ.
. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ لَهُ عَدَالَةٌ لَمْ تُخْرَجْ وَهِيَ عَدَالَةُ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْحَدَّ حَصَلَ وَلَهُ شَهَادَةٌ فَبَطَلَتْ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حُدَّ وَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ حُدَّ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ فِيمَ يُصَادِفُ الْحَدَّ شَهَادَةً تُبْطِلُهَا، وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ إسْلَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى لَوْ تَابَ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُهُ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلشَّهَادَةِ هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْبَاقِي وَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا ضُرِبَ الْكَافِرُ سَوْطًا وَاحِدًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ قَذَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حُدَّ كُلَّ الْحَدِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ضُرِبَ الْمُسْلِمُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلُّ لَمْ تَسْقُطْ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ
شَهَادَةُ الرَّامِي بِسَوْطٍ تُهْدَرُ ... وَجَاءَ عَنْهُ إذْ يُقَامُ الْأَكْثَرُ
وَجَاءَ عَنْهُ الرَّدُّ حِينَ تَمَّمَا ... وَذَاكَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ فَاعْلَمَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ السَّرِقَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ]
السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ عَلَى الْخِفْيَةِ وَأَخَذَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute