الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ يَعْنِي لَيْلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَهَارًا اُشْتُرِطَ الِابْتِدَاءُ، وَالِانْتِهَاءُ.
وَأَمَّا شُرِطَ الْأَخْذُ عَلَى الْخِفْيَةِ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى غَيْرِ الْخِفْيَةِ يَكُونُ نَهْبًا وَخِلْسَةً وَغَصْبًا، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَاهَرَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْغَوْثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا) (سَرَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) يَعْنِي دَفْعَةً وَاحِدَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ إذَا كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَأَنْ يَكُون الْمَسْرُوقُ نِصَابًا كَامِلًا وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَشَرَةٌ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ فَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا عِبْرَةَ بِالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْأَخْذِ وَإِذَا سَرَقَ الْمَالَ فِي بَلَدٍ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ: (مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمَضْرُوبَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ تِبْرًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمَضْرُوبَةِ وَغَيْرِهَا كَنِصَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ بِدَلِيلِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَإِنْ سَرَقَ دَرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةٍ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُسَاوِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْوَزْنِ فِيهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ نُقْرَةً وَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادًا قُطِعَ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَسَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ قَوْلُهُ: (مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ) الْحِرْزُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ انْتَهَبَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ سَرَقَ مَالًا ظَاهِرًا كَالثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْ الْحَيَوَانِ فِي الْمُرَاعِي لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْحِرْزُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَبْنِيُّ لِحِفْظِ الْمَالِ، وَالْأَمْتِعَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ خَيْمَةً أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ صُنْدُوقًا، وَالْحِرْزُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَكَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَجَعَلَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا لِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ نَائِمًا حِينَ سُرِقَ رِدَاؤُهُ فَإِنْ دَخَلَ السَّارِقُ الدَّارَ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ، وَالسَّارِقُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَلَيْسَ بِخِفْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ دَخَلَ اللِّصُّ لَيْلًا وَصَاحِبُ الدَّارِ فِيهَا إنْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ قُطِعَ وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْحِرْزِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ تُسْقِطُ الْقَطْعَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute