أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلِاغْتِسَالِ، وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا أَنْ يَدْخُلَهُ، وَإِنْ جُعِلَ جَامِعًا لَا يُجْمَعُ فِيهِ وَإِنْ جَعَلَهَا طَرِيقًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بِهَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصَلِّي فِيهِ الْمَارَّةُ وَالْمُسَافِرُونَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعُودُ مِلْكُ الْبَانِي فِيهِ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَخَشَبِهِ وَحَنَفِيَّتِهِ نُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ نَقْضِهِ إلَى عِمَارَةِ بِئْرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَسْجِدِ.
وَكَذَا الْبِئْرُ لَا يُصْرَفُ نَقْضُهَا إلَى مَسْجِدٍ بَلْ يُصْرَفُ إلَى بِئْرٍ أُخْرَى، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى دُهْنِ السِّرَاجِ لِلْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ بَلْ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُصَلِّينَ وَيَجُوزُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْرَسَ الْكِتَابُ عَلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ وُضِعَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الرِّبَاطَ وَالْخَانَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ) لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيَدْفِنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فَكَانَ كَالْعِتْقِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْبِئْرُ وَلِأَنَّهُمْ إذَا دَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا فَصَارَ كَالْمَسْجِدِ إذَا صُلِّيَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا أَحَدٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا قَبْضٌ فَبَقِيَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَيَشْتَرِكُ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ فِي الدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَمَا كَانَ إبَاحَةً لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ بِخِلَافِ غَلَّةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّمْلِيكُ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ، وَلَوْ تَلِفَتْ الْكِيزَانُ الْمُسَبَّلَةُ عَلَى السِّقَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَصِفَةُ التَّعَدِّي أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي غَيْرِ مَا وُقِفَتْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
هُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ وَالْبِسَاطِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِخْدَامُ غَصْبًا إذَا اسْتَخْدَمَهُ الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ كَمَا إذَا غَصَبَهُ لِيَرْكَبَ لَهُ نَخْلًا وَيَجْنِيَ لَهُ ثَمَرَتَهُ أَمَّا إذَا قَالَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ فَفَعَلَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ الْغَصْبُ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَتُهُ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَنَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute