للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَرْضِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَحْبِسُهُ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ.

(إذَا قَالَ: إنِّي فَقِيرٌ) إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسُهُ حِينَئِذٍ.

(قَوْلُهُ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَلَيْسَ تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِلَازِمٍ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَفُوِّضَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ أَوْ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي أُخْرَى وَهِيَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَبْسِهِ ثُمَّ إذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِإِعْسَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِعْسَارَ وَقَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ فَإِنْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا.

(قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهَا وَيُحْبَسُ أَيْضًا فِي دَيْنِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ وَالْحَبْسُ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الظُّلْمِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) يَعْنِي لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا لِأَجْلِ دَيْنِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْحَبْسَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَلَدُ عَلَى وَالِدَيْهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] وَالْحَبْسُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءَ الْوَلَدِ وَالنَّفَقَةُ لَا تُسْتَدْرَكُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يُحْبَسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُون صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيٌّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي الْوَلِيَّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ.

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) اعْتِبَارًا لِشَهَادَتِهَا.

[كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]

(قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ) يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي آخَرَ وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقَ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إذَا وَرَدَ عَلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا شَرْطُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ يَعْنِي بِالْحُقُوقِ وَيَرْوِي بِهِ عِنْدَهُ أَيْ بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ.

وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَقُومُ مَقَامَ خِطَابِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>