أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ صَرِيحٍ وَطَلَاقَ كِنَايَةٍ وَطَلَاقًا فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ (فَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَحْسَنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ مَا هُوَ حَسَنٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارِ لَا يُجَامِعُهَا فِيهِ حَسَنٌ، وَهُوَ طَلَاقٌ السُّنَّةِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ.
[طَلَاقُ السُّنَّةِ]
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ آخَرُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَكَذَا عِنْدَهُمَا يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَيْنِ بِشَهْرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْحَامِلُ لَا تَطْلُقَ لِلسُّنَّةِ إلَّا مَرَّةً.
[طَلَاقُ الْبِدْعَةِ]
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ فَالدِّينِيَّةُ حِفْظُ النَّفْسِ مِنْ الزِّنَا وَحِفْظُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَنْهُ وَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلْمُوَحِّدِينَ وَتَحْقِيقُ مُبَاهَاةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَقِوَامُ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْمَلُ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ خَارِجَهُ فَيَنْتَظِمُ أَمْرُهُمَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْحَظْرِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ حِبَالَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْأَطْهَارِ وَإِنَّمَا كَانَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ «قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ إذًا عَصَيْت رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْك» وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ «طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِنَا امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا أَوْجَعَهُ ضَرْبًا، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ النَّاجِزِ.
قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ إنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ النَّدَمِ وَأَنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيَسْتَدْرِكَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُقَالُ: إنَّ السُّنَّةَ فِي الْعَدَدِ هُوَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً لَا غَيْرُ وَسَمَّيْت الْوَاحِدَةُ عَدَدًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَقَدْ وُجِدَتْ السُّنَّةُ فِي طَلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتِ أَمْرٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ كَانَ سُنِّيًّا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَانَ بِدْعِيًّا وَقَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا حَتَّى لَوْ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً سَاعَةَ تَكَلَّمَ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ أُخْرَى سَاعَةَ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ سَاعَة تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقَعُ أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ الْأُولَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ طَوَّلَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute