التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى لَهُمَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى الْكَرَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الظِّهَارَ لِمَكَانِ التَّشْبِيهِ وَيَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ لِمَكَانِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ كَانَ ظِهَارًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ ظِهَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ نَوَى ظِهَارًا أَوْ إيلَاءً أَوْ طَلَاقًا أَوْ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] وَالْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) وَكَذَا مِنْ مُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرِّ إلَّا إنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ كَفَّرَ بِهِمَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَوْلَى كَفَّرَ بِهِمَا عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا آلَى مِنْ نِسَائِهِ فَجَامَعَهُنَّ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ لِرَفْعِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَسْقُطْ التَّحْرِيمُ عَنْ الْبَاقِيَاتِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ وَكَذَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَرَدْت التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي عِدَّتِهَا صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ ظِهَارُهُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ زَوْجَةٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ آكَدُ مِنْ تَحْرِيمِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ.
[كَفَّارَةُ الظِّهَارِ]
(قَوْلُهُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ) يَعْنِي كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَجِنْسُ مَا يُبْتَغَى مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ بِلَا بَدَلٍ فَقَوْلُنَا كَامِلَةَ الرِّقِّ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الرَّقَبَةِ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهَا الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَبَعْدَ مَا جَامَعَهَا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ عِتْقِ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ السِّعَايَةِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عِتْقًا بِالْبَدَلِ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَصَامَ شَهْرًا أَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا رَقَبَةً كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ وَقَوْلُنَا مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَنْوِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَلَوْ دَخَلَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ كَمَا إذَا دَخَلَ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا وَجِنْسُ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute